الفصل الرابع
طارق
فهمت ريحانة بالنهوض، فسمعت خفق نعال أمام باب الغرفة، فعرفت للحال أن الدهقان مار من هناك، فلبثت ريثما يمر، فإذا هو قد وقف بالباب ثم فتحه ودخل وهو ملتف بالقباء، كما تقدم، فأسرعت ريحانة وهرولت نحو الباب وخرجت احتراما لسيدها. وأما جلنار فإنها جلست في الفراش وقد ظهرت البغتة على وجهها، ولكنها كانت رابطة الجأش فتجلدت ورحبت بوالدها، فأقبل حتى وقف بجانب فراشها، ثم انحنى وأمسك ذقنها بين أنامله كأنه يلاعبها؛ استعطافا لها، واسترضاء لخاطرها. أما هي فلم تجهل غرضه، فظلت صامتة حتى خاطبها قائلا: «أراك تلتمسين النوم في ساعة مبكرة يا جلنار.»
قالت: «شعرت بالتعب فأحببت أن أستريح في الفراش، وأنا لا أشعر بالنعاس.»
قال: «هلم بنا إذن إلى القاعة الكبرى؛ فإن الجلوس فيها يشرح الصدر لما تطل عليه من الأزهار والرياحين ونحن في إبان الربيع، فضلا عن نور القمر الساطع.»
فلم يسع جلنار إلا أن تنزل عند رأي والدها، فنهضت وتزملت بملاءة كبيرة من نسيج الكشمير يغلب فيها اللون العنابي غطت ثيابها، ومشت معه حتى وصلا إلى القاعة، فجلسا على وسادتين متحاذيتين وجلنار تتوقع من أبيها حديثا لا يرضيها، فلما استقر بهما الجلوس قال الدهقان: «رأيتك يا جلنار في هذا المساء على غير ما تعودته من طاعتك، فما الذي حملك على ذلك؟»
فقالت وهي مطرقة: «إني أطوع لك من بنانك يا مولاي.»
قال: «فما بالك لما ذكرت لك ما بعث به إلينا أمير العرب من خطبتك لابنه سكت وتجاهلت؟ ألا تعلمين أن مصاهرة هذا الأمير ستكون من أكبر أسباب سعادتك؟»
قالت: «وأي أمير تعني يا أبتاه؟»
قال: «أعني ابن الكرماني؛ قائد قبائل اليمنية الذي يحاصر مدينة مرو الآن، أو هو فتحها على ما بلغني. وقد فر نصر منها.»
Bilinmeyen sayfa