ولكن ذلك كله لم يقعد المبتكر عن تجاربه ومحاولاته، فأنفق عليها جزءا من «بدل المعاش»، ولم يغفل وهو على فراش الموت عن العمل ليلا ونهارا، وذهبت الروح إلى بارئها والرجل يتألم لأنه لم ير ثمرة جهده، لسبب واحد هو أنه مصري، وليس في مصر واحد أو جماعة تقدر اكتشافا أو اختراعا!
الفصل الثاني والثلاثون
مرقس حنا باشا
نعي صباح يوم 28 يونيو سنة 1934 المرحوم مرقس حنا باشا.
من المصادفات الغريبة أنه بينما كان في النزع نشرت جريدة «البلاغ» فصلا من كتاب اللورد لويد عن الوزراء ورؤساء الوزراء الدستوريين، قال فيه عن مرقس حنا باشا:
كان أقدر الوفديين في وزارة عدلي باشا. وهو ابن قسيس قبطي، تعلم في مصر ثم رحل إلى باريس حيث أتم دراسته. وكان قد نجح في المحاماة وحصل منها أعلى مركز مالي حسن. أما في السياسة فإنه كان من أول الأعضاء الذين انضموا إلى الحزب الوطني لتأييد مصطفى كامل مؤسسه الحقيقي، وبعد الحرب انضم إلى سعد. وفي سنة 1922 اصطدم بالسلطة العسكرية البريطانية، وبعد مدة حكم عليه بالإعدام لقيامه بأعمال ثورية، ثم خففت الحكم إلى خمس سنوات في الأشغال الشاقة، وأخيرا فرج عنه في مايو سنة 1923. وهو رجل زكي رضي الأخلاق مهذب الإشارة، وله مقام كبير بين طائفته. ولكن التسامح أو سعة الأفق في الرأي ليسا من صفاته، ولم يكن لهما أثر الرقابة على أعماله العامة.
لولا هذا «الاستدراك» الأخير في كلام المندوب المحافظ، لكانت كلماته خير وصف مجمل لمرقس حنا.
ولكن اللورد المستعمر لا يقصد التاريخ، بل لا بد له من التصوير والتلوين السياسي باللون الذي يراه من وراء نظارته الاستعمارية.
كان القسيس والد مرقس حنا من الفئة المختارة، التي تلقت العلم في مدرسة الأقباط في نشأتها الأولى. وذكره صاحب كتاب «تاريخ الأنبا كيرلس الرابع» بقوله:
المرحوم القمص يوحنا والد الأصولي مرقس أفندي حنا، وكان يدعى أولا نقولا أفندي وصفي، ابن المعلم مرقس أسعد دميان من المنصورة. رسم قسيسا لطنطا بعد أن كان ناظرا لمحطة تلا يوم 11 هاتور سنة 1591، وتوفي يوم 10 برمهات سنة 1596 ودفن بطنطا.
Bilinmeyen sayfa