ثم عاد يقول: لئن حظي بلذة التعاطي لما حظي بقوة الامتناع، ولئن سكر بخمر الدعة لما سكر بخمر الأنفة، ولئن جرب اتباع الدنيا خطوة واحدة لما جرب الإعراض منها خطوات، له طريق ولي طريق، وربما التقينا في بعض الطريق!
ثم صاح الشيخ بتلميذه ورسول القوم إليه: ما بالك يا بني ترضى لي كل صورة إلا الصورة التي رضيتني من أجلها؟
قال التلميذ: تعني يا مولاي صورة أبي العلاء؟
قال الشيخ: نعم، إياها أعني ولا أعني سواها.
فعجب التلميذ عجبا لم يدر له منفذا ولا منصرفا: أيقضي الشيخ حياته في التبرم والإنكار ثم لا يختار حين يختار إلا ما تبرم به وأغرق في إنكاره؟
هذا والله لهو العجب العجاب والحيرة جد الحيرة في قضاء الناس مع الأقدار وقضاء الأقدار مع الناس.
وكأنما أدرك الشيخ ما يهجس به ضمير التلميذ، فقال له: تراه عجيبا؟ أليس كذلك؟
قال التلميذ: لا أكتمك عجبي فأنت به أعلم، وما أدري كيف شكوت الدنيا ثم كيف تختار اليوم ما كنت تشكوه؟
قال: أضرب لك مثلا، فإنما بالأمثال تنجلي المشكلات والمشابهات:
هبك خرجت إلى العالم العريض الرحيب فجعلت لا ترى مزية ولا حسنا ولا فضيلة في أحد من الناس إلا تمنيت ذلك لنفسك، هبك تمنيت من هذا عينيه، ومن هذا أنفه، ومن هذا قوامه، ومن هذا فكره، ومن هذا عافيته، ومن هذا أرزاقه وأمواله، ومن هذا ماضيه، ومن هذا حاضره ومستقبله، ومن هذا ملكة الشعر أو ملكة الغناء أو ملكة الحكم أو ملكة التدبير.
Bilinmeyen sayfa