120

فمن التقية أن ينكر الإنسان ما به يدين، وأن يكون نكرانه علامة اليقين. أليس كذاك؟ •••

وتلطف التلميذ اللبق في نقل الحديث إلى فارس والفرس وما كان فيه ما وما يكون، وتذاكر ما مر بهما ومرا به في تلك البلاد، فسري عن الشيخ بعض ما اعتراه من غضب وامتعاض لنسبته إلى البراهمة والمجوس. وضحك الشيخ وتلميذه كثيرا حين ذكرا ذلك الكرسي الذي كان يجلس عليه بعض الشاهات - عند قضاء الحاجة - فيعزف النشيد الملكي تحية للجالس عليه! وقال الشيخ: حسنا صنع عاهل الفرس الجديد أعانه الله على ما تصدى له من خير وتهذيب. إنه أراح أمته من هذه المراسم وهذه التفخيمات التي أفسدت عليهم ما أفسدت، ونسوا كل شيء ليذكروها وحدها حتى حين ينسى الإنسان كل تفخيم وتبجيل. إن المراسم آفة هذه الأمة الطيبة الرضية، فلا أدب لهم ولا علم ولا دين ولا شريعة إلا وفيها آية المراسم ظاهرة، وتحية المراسم ناطقة، وديوان المراسم معقود ومشهود. ولئن خلصوا منها لقد خلصوا من قيود تحبس الرءوس قبل الأعضاء والأقدام. •••

فسأل التلميذ: وماذا بقي منها فيستحب لهم الخلاص منه؟

قال المعري: إنهم يقتدون بالأمم الكبرى في أزيائها وشعائرها، وإن أخوف ما نخاف عليهم أن يحسبوا القوة والمنعة في هذه الأزياء وفي هذه الشعائر، فيتقيدوا بها من جديد ويخلصوا من تقليد إلى تقليد، ولئن هداهم عاهلهم السديد في مسعاهم المجيد، لقد بلغ بهم ما لم يبلغه الأكاسرة ولا الهرامزة الأولون.

في مصر

على مقربة من سيناء قال حكيم العربية لتلميذه كأنما هو الذي يقوده: هذه هي البادية!

قال التلميذ: أوقد عرفتها؟ قال: كيف لا أعرفها. وإن الشمس لتتغير وما غير الله البادية منذ خلقها، ولا يغيرها حتى يطويها مع الأرض والسماء!

قال التلميذ: فعلى اليمين بيت المقدس وعلى الشمال أرض مصر، فأيهما يؤثر الأستاذ بالزيارة؟

وكان شيخنا قد سمع شيئا عن متاعب فلسطين والشرق العربي، وسمع شيئا عن عجائب مصر. فأنشد:

أما الحجاز فما يرجى المقام به

Bilinmeyen sayfa