قد غاص في النهر كتاب الفصوص
وهكذا كل ثقيل يغوص
فأجابه أبو العلاء بقوله:
عاد إلى معدنه إنما
توجد في قعر البحار الفصوص
والصواب أن هذا الكتاب لأبي العلاء صاعد اللغوي البغدادي، أحد الراحلين إلى الأندلس، وبها ألفه، ووقعت له هذه القصة. وسببها أنه استأذن من المنصور بن أبي عامر في إملاء كتاب بجامع مدينة الزهراء، يفوق أمالي أبي علي القالي التي أملاها بقرطبة في دولة عبد الرحمن وابنه الحكم، واشترط أن لا يورد فيه خبرا أورده القالي. فأذن له في ذلك، فأملى كتاب الفصوص، ولما أكمله تتبعه أدباء الوقت، فلم تمر فيه كلمة صحيحة عندهم، ولا خبر ثبت لديهم. وكان صاعد متهما بالكذب جريئا عليه، فأراد المنصور امتحانه، فعمد إلى كراريس بيض وأمر أن تجلد وتزال جدتها حتى يتوهم فيها القدم، وترجم عليها كتاب النكت تأليف أبي الغوث الصنعاني، فترامى إليه صاعد حين رآه، وجعل يقبله، ويقول: إي والله، قرأته بالبلد الفلاني على الشيخ أبي فلان، فأخذه المنصور من يده خوفا من أن يفتحه، وقال: إن كنت قد قرأته كما تزعم، فعلام يحتوي؟ فقال: وأبيك لقد بعد عهدي به، ولا أحفظ الآن منه شيئا، ولكنه يحتوي على لغة منثورة لا يشوبها شعر ولا خبر، فقال له المنصور: أبعد الله مثلك، فما رأيت أكذب منك. وأمر بإخراجه وإلقاء كتاب الفصوص في النهر، فقال فيه بعض الشعراء، وأجابه صاعد بما تقدم.
قال ابن بسام: وما أظن أحدا يجترئ على مثل هذا، وإنما صاعد اشترط ألا يأتي إلا بالغريب غير المشهور، وأعانهم على نفسه بما كان يتنفق به من الكذب. انتهى.
ومن جراءته على الكذب نادرته في الخنفشار، وذلك أن المنصور سأله يوما عنه، فقال على البديهة: هو حشيشة يعقد بها اللبن ببادية الأعراب، وفي ذلك يقول شاعرهم:
لقد عقدت محبتها بقلبي
كما عقد الحليب الخنفشار
Bilinmeyen sayfa