ضعيف الصبر عنك وإن تقاوى
وسكران الفؤاد وإن تصاحا
كذاك بنو الهوى سكرى صحاة
كأحداق المها مرضى صحاحا
فقال أبو العلاء: ومن بالعراق! عطفا على قوله: من بالشام. والراجح عندي أن هذه القصة موضوعة، لا لغرابتها؛ فإن فيما تقدم في قصته مع السمان وغيره ما هو أغرب وأعجب، ولا يبعد على من يستظهر أوراق الحساب رقعة رقعة، أن يسمع صوت المنازي ونغمته في إنشاده، فيعيه ويعرفه بعد ذلك من كلامه؛ بل لأن الثابت في الأبيات الميمية أنها لحمدونة
4
بنت زياد الأندلسية؛ أثبت ذلك مؤرخو الأندلس، وجزم به أبو جعفر الرعيني الأندلسي، وهو من الراحلين إلى المشرق. وملخص ما قاله في شرحه على بديعية صاحبه ابن جابر: أن بعض المشارقة غرهم بعد ديارها، وخلو بلادهم من آثارها، فانتحلوا أشياء من شعرها. ومن ذلك نسبتهم أبياتها الميمية للمنازي من شعرائهم. قال: وقد رأيت بعض المؤرخين من أهل بلادنا أثبتوها لها قبل أن يخرج المنازي من العدم إلى الوجود، ويتصف بلفظة الموجود. انتهى. أما الأبيات الحائية فالراجح أنها للمنازي، ونسبها الصفدي في شرحه على لامية العجم لابن قاضي ميلة. والله أعلم.
وقال كمال الدين بن العديم في تاريخ حلب: بلغني أن المنازي عمل هذه الأبيات ليعرضها على أبي العلاء، فلما وصل إليه أنشده إياها، فجعل كلما أنشده المصراع الأول من كل بيت، سبقه أبو العلاء إلى المصراع الثاني الذي هو تمام البيت كما نظمه. ولما أنشده: «نزلنا دوحه فحنا علينا»، قال أبو العلاء: «حنو الوالدات على الفطيم». فقال المنازي: إنما قلت على اليتيم. فقال أبو العلاء: الفطيم أحسن. انتهى، والله أعلم.
قلت: الشيء بالشيء يذكر، والحديث ذو شجون. والذي ذكره ابن العديم له نظائر، منها ما رواه طيفور في تاريخ بغداد عن عمارة بن عقيل، قال: أنشدت المأمون قصيدة فيها مديح له تبلغ مئة بيت، فابتدأت بصدر البيت فبادرني إلى قافيته، فقلت: والله يا أمير المؤمنين ما سمعها مني أحد قط. قال: هكذا ينبغي أن يكون، ثم أقبل علي، فقال: أما بلغك أن عمر بن أبي ربيعة أنشد عبد الله بن عباس قصيدته التي يقول فيها:
تشط غدا دار جيراننا
Bilinmeyen sayfa