183

Ebu Cala Macarri

أبو العلاء المعري

Türler

جهلنا فلم نعلم على الحرص ما الذي

يراد بنا والعلم لله ذي المن

قال شارحه أبو يعقوب النحوي: «وهذا على معنى أن أمر السعادة والشقاوة مطوي عن العباد، وأن الأمور كلها بمشيئة الله تعالى، وهي مستورة. ولهذا كره السلف أن يقول القائل: أنا مؤمن حقا، بل أنا مؤمن إن شاء الله تعالى؛ لا على معنى الشك في الإيمان والاعتقاد، بل على معنى الخوف من سوء العاقبة، وخفاء علم الله تعالى في ذلك، وانطواء أمر الخاتمة». انتهى.

وذكر ابن الوردي في تاريخه أيضا: أن حساده أغروا به وزير حلب، فجهز لإحضاره خمسين فارسا ليقتله، فأنزلهم أبو العلاء في مجلس له بالمعرة، فاجتمع بنو عمه إليه، وتألموا لذلك، فقال: إن لي ربا يمنعني، ثم قال كلاما منه ما لا يفهم، وقال: الضيوف، الضيوف! الوزير، الوزير! فوقع المجلس على الخمسين فارسا فماتوا، ووقع الحمام على الوزير بحلب فمات؛ فمن الناس من زعم أنه قتلهم بدعائه وتهجده. ومنهم من زعم أنه قتلهم بسحره ورصده. وهذه القصة رواها صاحب الكوكب الثاقب بزيادة تفصيل، فذكر عن الغزالي أنه قال: حدثني يوسف بن علي بأرض الهركار، قال: دخلت معرة النعمان، وقد وشى وزير محمود بن صالح صاحب حلب إليه بأن المعري زنديق لا يرى إفساد الصور، ويزعم أن الرسالة تحصل بصفاء العقل، فأمر محمود بحمله إليه من المعرة، وبعث خمسين فارسا ليحملوه، فأنزلهم أبو العلاء دار الضيافة، فدخل عليه عمه مسلم بن سليمان، وقال: يا ابن أخي قد نزلت بنا هذه الحادثة، والملك محمود يطلبك، فإن منعناك عجزنا، وإن أسلمناك كان عارا علينا عند ذوي الذمام، ويركب تنوخ الذل والعار. فقال: هون عليك يا عم، ولا بأس عليك؛ فلي سلطان يذب عني. ثم قام فاغتسل وصلى إلى نصف الليل، ثم قال لغلامه: انظر إلى المريخ أين هو؟ فقال: في منزلة كذا وكذا. فقال: زنه واضرب تحته وتدا، وشد في رجلي خيطا، واربطه إلى الوتد. ففعل غلامه ذلك، فسمعناه وهو يقول: يا قديم الأزل، يا علة العلل، يا صانع المخلوقات، وموجد الموجودات؛ أنا في عزك الذي لا يرام، وكنفك الذي لا يضام، الضيوف الضيوف، الوزير الوزير! ثم ذكر كلمات لا تفهم، وإذا بهدة عظيمة. فسأل عنها، فقيل: وقعت الدار على الضيوف الذين كانوا بها، فقتلت الخمسين. وعند طلوع الشمس وقعت بطاقة من حلب على جناح طائر: لا تزعجوا الشيخ، فقد وقع الحمام على الوزير. قال يوسف بن علي: فلما شاهدت ذلك، دخلت على المعري، فقال: من أين أتيت؟ فقلت: من أرض الهركار، فقال: زعموا أنني زنديق، ثم قال: اكتب. وأملى علي أبياتا من قصيدة أولها:

أستغفر الله في أمني وأوجالي

من غفلتي وتوالي سوء أعمالي

ثم ساق صاحب الكوكب الثاقب سبعة أبيات من هذه القصيدة. وسأوردها بتمامها عند الكلام على منظومه؛ فإنها من شعره المفقود. وهذه القصة رواها غير واحد، فلم يذكروا رصده للمريخ كما هنا، وهو الأشبه بمذهب أبي العلاء؛ فإن من يقف على كلامه في المنجمين وتقبيح أعمالهم، يحكم بأن هذا من الموضوع عليه. والله أعلم.

والخلاصة أن الذي ظهر لي من مطالعة مؤلفاته، أنه لم يكن ملحدا كما يزعمون، بل كان مؤمنا بالله وكتبه ورسله، وإنما كانت تقع له بعض الأحيان أحوال يضيق بها صدره، فينفث نفثات يوهم ظاهرها، وكان الأولى به تركها. وهي مهما بلغت من الشناعة والبشاعة لا تصل إلى الكفر والإلحاد، بل فيها ما إذا قارنته بما قاله في ضده لظهر لك جليا أنه لم يرد ما سبق إلى ذهنك فيه من أول وهلة: كإنحائه تارة على الديانات، ومدحه لها تارة أخرى؛ فإنك لو قابلت بين القولين بإمعان، لأقنعت بأنه لم يرد بالذم الديانات نفسها، بل أراد منتحليها المتاجرين بها، وكثير ما هم في كل زمن.

وإنما أتي الرجل من جهة حسدته وشانئيه، وولوع جماعة منهم بتقويله ما لم يقل، وإشهاره بما كانوا ينظمونه على لسانه من أقوال المعطلة والزنادقة؛ حتى صارت الأذهان لكثرة ما وقر فيها من ذلك، إذا ألقي إليها شيء من شعره فيه إيهام، انصرفت إلى إساءة الظن به. وسيرد عليك من أقوال ما وافق أقوال مشهوري المتصوفة، وكبار الزهاد، حذو القذة بالقذة. إلا أنها كتبت لهم، وكتبت عليه، ولله في خلقه شؤون. ولهذا اقتصرت في فصول معتقده على ما أثبته في مؤلفاته دون ما روي عنه غير معزو لشيء منها، وغالبه سخافات يتنزه شعر أبي العلاء عنها، ولا يخفى وضعها على ذي لب، كما قال الصفدي. كنسبتهم إليه قول القائل:

إذا ما ذكرنا آدما وفعاله

Bilinmeyen sayfa