ولقد يخال المرء مما نشر عن هذه المذكرة من التعليقات العديدة أن كثيرا من المصريين ألقي في روعهم أن بريطانيا العظمى توشك أن ترجع في نواياها القائمة على التسامح والعطف على الأماني المصرية، وأنها تنوي الانتفاع بمركزها الخاص بمصر؛ لاستبقاء نظام سياسي إداري لا يتفق والحريات التي وعدت بها. (3)
غير أنه ليس شيء أبعد عن خاطر الحكومة البريطانية من هذه الفكرة، بل إن الأساس الذي بنيت عليه المذكرة التفسيرية هو أن الغاية من الضمانات التي تطلبها بريطانيا العظمى ليست إبقاء الحماية حقيقة أو حكما، وقد نصت المذكرة على أن بريطانيا العظمى صادقة الرغبة في أن ترى مصر متمتعة بما تتمتع به البلاد المستقلة من ميزات أهلية ومن مركز دولي. (4)
وإذا كان المصريون قد رأوا في هذه الضمانات أنها تجاوزت الحد الذي يلتئم مع حالة البلاد الحرة فقد غاب عنهم أن إنكلترا إنما ألجأها إلى ذلك حرصها على سلامة نفسها تلقاء حالة تتطلب منها أشد الحذر خصوصا فيما يتعلق بتوزيع القوات العسكرية. على أن الأحوال التي يمر بها العالم الآن لن تدوم، ولا يلبث كذلك أن يزول الاضطراب السائد في مصر منذ الهدنة، والأمل وطيد في أن الأحوال العالمية صائرة إلى التحسن. هذا من جانب، ومن جانب آخر - فكما قيل في المذكرة - سيجيء وقت تكون فيه حالة مصر مدعاة إلى الثقة بما تقدمه هي من الضمانات المصرية لصيانة المصالح الأجنبية. (5)
أما أن تكون إنكلترا راغبة في التداخل في إدارة مصر الداخلية، فذلك ما قالت فيه الحكومة البريطانية - ولا تزال تقول - إن أصدق رغباتها وأخلصها هو أن تترك للمصريين إدارة شئونهم، ولم يكن يخرج مشروع الاتفاق الذي عرضته بريطانيا العظمى عن هذا المعنى، وإذا كان قد ورد فيه ذكر موظفين بريطانيين لوزارتي المالية والحقانية، فإن الحكومة البريطانية لم ترم بذلك إلى استخدامهما للتداخل في شئون مصر، وكل ما قصدته هو أن تستبقي أداة اتصال تستدعيها حماية المصالح الأجنبية. (6)
هذا هو كل مرمى الضمانات، ولم تصدر هذه الضمانات قط عن رغبة في الحيلولة بين مصر وبين التمتع بحقوقها الكاملة في حكومة أهلية. (7)
فإذا كانت هذه هي نوايا إنكلترا، فلا يمكن لأحد أن ينكر أن إنكلترا يعز عليها أن ترى المصريين يؤخرون بعملهم حلول الأجل الذي يبلغون فيه مطمحا ترغب فيه إنكلترا كما تتوق إليه مصر، أو أن ينكر أنها تكره أن ترى نفسها مضطرة إلى التداخل لرد الأمن إلى نصابه كلما أدركه اختلال يثير مخاوف الأجانب ويجعل مصالح الدول في خطر، وإنه ليكون مما يؤسف له أن يرى المصريون في التدابير الاستثنائية التي اتخذت أخيرا أي مساس بمطمحهم الأسمى أو أية دلالة على تغيير القاعدة السياسية التي سبق بيانها. فإن الحكومة البريطانية لم يعد غرضها أن تضع حدا لتهييج ضار قد يكون لتوجيهه إلى أهواء العامة نتائج تذهب بثمرة الجهود القومية المصرية؛ ولذلك كان الذي روعي بوجه خاص فيما اتخذ من التدابير مصلحة القضية المصرية التي تستفيد من أن البحث فيها يجري في جو قائم على الهدوء والمناقشة بإخلاص. (8)
والآن وقد بدت تعود السكينة إلى ما كانت عليه بفضل الحكمة التي هي قوام الخلق المصري، والتي تتغلب في الساعات الحاسمة، فإنني لسعيد أن أنهي إلى عظمتكم أن حكومة جلالة الملك تنوي أن تشير على البرلمان بإقرار التصريح الملحق بهذا، وإنني على يقين بأن هذا التصريح يوجد حالة تسود فيها الثقة المتبادلة، ويضع الأساس لحل المسألة المصرية حلا نهائيا مرضيا. (9)
وليس ثمة ما يمنع منذ الآن من إعادة منصب وزير الخارجية، والعمل لتحقيق التمثيل السياسي والقنصلي لمصر. (10)
أما إنشاء برلمان يتمتع بحق الإشراف والرقابة على السياسة والإدارة في حكومة مسئولة على الطريقة الدستورية، فالأمر فيه يرجع إلى عظمتكم وإلى الشعب المصري.
وإذا أبطئ لأي سبب من الأسباب إنفاذ قانون التضمينات (إقرار الإجراءات التي اتخذت باسم السلطة العسكرية) الساري على جميع ساكني مصر - والذي أشير إليه في التصريح الملحق بهذا - فإنني أود أن أحيط عظمتكم بأنني إلى أن يتم إلغاء الإعلان الصادر في 2 نوفمبر سنة 1914 سأكون على استعداد لإيقاف تطبيق الأحكام العرفية في جميع الأمور المتعلقة بحرية المصريين في التمتع بحقوقهم السياسية.
Bilinmeyen sayfa