لا يسوغ فرض أي قيد على أي شخص متمتع بالرعوية المصرية في حرية استعماله لأية لغة في معاملاته الخصوصية أو التجارية أو في الدين أو في الصحف أو في المطبوعات من أي نوع كانت أو في الاجتماعات العمومية. (26)
الأشخاص الحائزون للرعوية المصرية التابعون للأقليات القومية أو الدينية أو اللغوية يكون لهم الحق في القانون وفي الواقع في نفس المعاملة والضمانات التي يتمتع بها غيرهم من الحائزين للرعوية المصرية، وعلى الخصوص يكون لهم حق مساو لحق الآخرين في أن ينشئوا أو يديروا أو يراقبوا على نفقتهم معاهد خيرية أو دينية أو اجتماعية ومدارس أو غيرها من دور التربية، ويكون لهم الحق في أن يستعملوا فيها لغتهم الخاصة ، وأن يقوموا بشعائر دينهم بحرية فيها. (3) المذكرة التفسيرية: تبليغ من نائب جلالة الملك إلى حضرة صاحب العظمة سلطان مصر في 3 ديسمبر سنة 1921
يا صاحب العظمة:
إنه بموجب التعليمات التي وصلتني من حكومة جلالة الملك، لي الشرف أن أرفع إلى مقام عظمتكم البيان الآتي المتضمن آراء حكومة جلالته فيما يتعلق بالمفاوضات التي جرت حديثا مع الوفد المرسل من قبل عظمتكم تحت رئاسة صاحب الدولة عدلي يكن باشا، أن حكومة جلالته قدمت إلى عدلي باشا مشروع اتفاق لعقد معاهدة بين الإمبراطورية البريطانية ومصر، كانت حكومة جلالته على استعداد لأن توصي جلالة الملك ومجلس النواب بقبوله، ولكنها علمت بمزيد الأسف أن ذلك المشروع لم يحز قبولا لديه، ومما زاد أسفها أنها تعتبر اقتراحاتها هذه سخية في جوهرها واسعة النطاق في نتائجها، فإنها لا يمكنها أن تبقى محلا لأي أمل في إعادة النظر في المبدأ الذي بنيت عليه تلك الاقتراحات؛ لذلك كان من المستحسن أن تحيط حكومة جلالته علم عظمتكم إحاطة وافية بالاعتبارات الرئيسية التي استرشدت بها، وبالروح التي صدرت عنها تلك الاقتراحات.
إن هناك حقيقة جلية سادت العلاقات بين بريطانيا العظمى ومصر مدة أربعين سنة - ويجب أن تبقى هذه الحقيقة سائدة على الدوام - وهي التوافق التام بين مصالح بريطانيا العظمى في مصر وبين مصالح مصر نفسها. إن استقلال الأمة المصرية وسيادتها كلاهما عظيم الأهمية للإمبراطورية البريطانية. إن مصر واقعة على خط المواصلات الرئيسي بين بريطانيا العظمى وممتلكات جلالة الملك في الشرق، وجميع الأراضي المصرية هي في الواقع ضرورية لهذه المواصلات؛ لأن مصر لا يمكن فصلها عن سلامة منطقة قناة السويس؛ لذلك فإن حفظ مصر سالمة من تسلط أية دولة عظيمة أخرى عليها هو في الدرجة الأولى من الأهمية للهند وأستراليا ونيوزيلاندة ولجميع مستعمرات وولايات جلالته في الشرق، ويؤثر في سعادة وسلامة نحو ثلاثماية وخمسين مليونا من رعايا جلالته. ثم إن نجاح مصر يهم هذه البلاد ليس لأن كلا من بريطانيا العظمى ومصر هي أفضل عملية للأخرى فقط، بل لأن كل خطر جسيم على مصلحة مصر التجارية أو المالية يدعو إلى مداخلة الدول الأخرى فيها ويهدد استقلالها. هذه كانت البواعث الرئيسية للعلاقات بين بريطانيا العظمى ومصر، وهي لا تزال الآن على ما كانت عليه من القوة في العام الماضي.
لقد اعترف الجميع بما أصاب هذا الائتلاف من النجاح بوجه عام أثناء الحرب العظمى، ولما بدأت بريطانيا العظمى تهتم بمصر اهتماما فعليا كان المصريون فريسة الاحتلال المالي والفوضى الإدارية، وكانوا تحت رحمة أي قادم، ولم يكن في طاقتهم مقاومة ضروب الوسائل القتالة للاستغلال الأجنبي - تلك الوسائل التي تسلب من نفوس الأمة كرامتها، وتمحو قواها الحيوية - فإذا كانت الأمة المصرية الآن أمة نشيطة ذات كرامة، فإنها مدينة لهذه النهضة على الخصوص لمعونة بريطانيا العظمى ومشورتها. إن المصريين سلموا من المداخلة الأجنبية، وأعينوا على إنشاء نظام إداري، وإنه وقد تدرب عدد كبير منهم على إدارة الأمور والحكم واطرد نمو مقدرتهم، ونجحت ماليتهم نجاحا فوق المنتظر، وقد قامت سعادة جميع الطبقات على أسس ثابتة، وفي هذا التقدم السريع لم يكن هناك ظل للاستغلال؛ أن بريطانيا العظمى لم تطلب لنفسها ربحا ماليا أو امتيازا تجاريا. والأمة المصرية قد جنت كل ثمار مشورة بريطانيا العظمى ومساعدتها لها. إن نشوب نار الحرب بين الدول الأوروبية العظمى سنة 1914 زاد بالضرورة عرى الائتلاف توثيقا بين الإمبراطورية البريطانية ومصر، ولما انضمت الدولة العثمانية إلى جانب ألمانيا في الحرب لم يكن أثر ذلك قاصرا على تهديد المواصلات البريطانية وحدها، بل كان مهددا لها ولاستقلال مصر على السواء تهديدا عاجلا، فكان إعلان الحماية على مصر اعترافا بهذه الحقيقة، وهي أنه لا يمكن دفع الخطر عن الإمبراطورية البريطانية ومصر معا إلا بعمل مشترك تحت قيادة واحدة. كان اتساع نطاق الحرب بدخول تركيا فيها السبب في قتل وتشويه آلاف من رعايا جلالة الملك من الهند وأستراليا ونيوزيلاندة ومن رجال بريطانيا العظمى أيضا، وقبورهم في غاليبولي وفلسطين والعراق شاهدة على الجهد العظيم الذي كابدته شعوب الإمبراطورية البريطانية بسبب دخول تركيا. قد اجتازت مصر هذه المحنة دون أن يمسها ضرر بفضل جهود من بعثت بهم تلك الشعوب من الجنود، فكانت خسائر مصر طفيفة، ولم يزد دينها وثروتها لآن أعظم مما كانت قبل الحرب في حين أن الكساد الاقتصادي قد اشتدت وطأته على أكثر البلدان الأخرى، فليس من الحكمة أن الشعب المصري يتغاضى عن هذه الحقائق أو ينسى لمن هو مدين بذلك كله. ولولا القوة التي أبدتها الإمبراطورية البريطانية في الحرب لأصبحت مصر ميدان حرب بين القوات المتحاربة ولوطئت هذه القوات حقوق مصر بأقدامها وأفنت ثروتها، ولولا نصر الحلفاء لم تكن في مصر أمة الآن تطالب بحقوق السيادة الوطنية بدلا عن حماية أجنبية، فالحرية التي تتمتع بها مصر الآن وما تتطلع إليه من حرية أوسع إنما هي مدينة بهما للسياسة البريطانية والقوة البريطانية.
إن حكومة جلالة الملك مقتنعة بأن الاتفاق التام في المصالح بين بريطانيا العظمى ومصر - الذي جعل ائتلافا نافعا لكلتيهما في الماضي - هو دعامة العلاقة التي يجب على كلتيهما استمرار المحافظة عليها، وعلى الإمبراطورية البريطانية الآن - كما كان في الماضي - أن تحمل على عاتقها في آخر الأمر مسئولية الدفاع عن أراضي عظمتكم ضد أي تهديد خارجي، وكذلك عليها تقديم المعونة التي قد تطلبها في أي وقت حكومة عظمتكم لحفظ سلطتكم في البلاد. ثم إن حكومة جلالة الملك تطلب فوق ذلك أن يكون لها دون غيرها الحق في تقديم ما قد تحتاج حكومة عظمتكم من المشورة في إدارة البلاد وتدبير ماليتها وترقية نظامها القضائي ومواصلة علاقاتها مع الحكومات الأجنبية. على أن حكومة جلالته لا ترمي من وراء هذه المطالب إلى منع مصر من تمتعها بكامل حقوقها في حكومة ذاتية وطنية، بل هي ترمي بذلك إلى التمسك بها قبل الدول الأجنبية الأخرى، وهذه المطالب قوامها تلك الحقيقة، وهي أن استقلال مصر واستتباب النظام فيها وسعادتها ركن أساسي لسلامة الإمبراطورية البريطانية. فحكومة جلالة الملك تأسف على أن مندوبي عظمتكم لم يتقدموا أثناء المفاوضات تقدما يذكر في سبيل الاعتراف بما للإمبراطورية البريطانية - دون سواها - من الأسباب الصحيحة للتمسك بهذه الحقوق والمسئوليات.
إن شروط المعاهدة التي تعتبرها حكومة جلالة الملك ضرورية لحفظ هذه الحقوق وكفالة هذه المسئوليات قد أدرجت في مواد المشروع الذي سيرفعه إلى عظمتكم صاحب الدولة عدلي باشا، وأهم هذه الشروط هو ما يتعلق بالجنود البريطانية. فإن حكومة جلالة الملك قد عنيت أتم عناية ببحث الأدلة التي قدمها الوفد المصري في هذا الشأن، ولكنها لم تستطع أن تقبلها؛ لأن حالة العالم الحاضرة ومجرى الأحوال في مصر منذ عقد الهدنة لا يسمحان بأي تعديل كان في توزيع القوات البريطانية في الوقت الحاضر، ومن الواجب إعادة القول بأن مصر هي جزء من مواصلات الإمبراطورية البريطانية، ولم يكد يمضي جيل على مصر منذ أنقذت من الفوضى، وهناك علامات على أنه لا يبعد على المتطرفين في الحركة الوطنية أن يزجوا بمصر ثانية في الهوة التي لم يطل العهد على إنقاذها منها، وقد زاد اهتمام جلالة الملك بهذا الشأن؛ لما رآه من عدم رغبة وفد عظمتكم في الاعتراف بأن الإمبراطورية البريطانية يجب أن يكون عندها ضمان قوي ضد أي تهديد مثل هذا لمصالحها، وإلى أن يحين الوقت الذي يكون فيه سلوك مصر مدعاة إلى الثقة بالضمانات التي تعطيها يكون من الواجب على الإمبراطورية البريطانية نفسها أن تستبقي ما تراه كافيا من الضمانات، وأول هذه الضمانات ورأسها هو وجود جنود بريطانية في مصر وحكومة جلالة الملك لا يمكنها أن تتخلى عن هذا الضمان ولا أن تنقص منه.
على أنها تعيد القول وتؤكده بأن مطالبها في هذا الصدد لا يقصد بها استمرار حماية لا فعلا ولا حكما، بل - بالعكس - إن أمنيتها القلبية الخالصة هي أن تتمتع مصر بحقوق وطنية، ويكون لها بين الأمم مقام دولة متمتعة بحق السيادة على أن تكون مرتبطة ارتباطا وثيقا بالإمبراطورية البريطانية بمعاهدة تكفل للفريقين مصالحهما وأغراضهما المشتركة؛ ولهذه الغاية التي جعلتها حكومة جلالته نصب عينيها اقترحت رفع الحماية فورا والاعتراف بمصر «دولة متمتعة بحقوق السيادة تحت إمرة ملوكية دستورية»، والاستعاضة عن العلاقات القائمة الآن بين الإمبراطورية البريطانية ومصر «بمعاهدة دائمة رابطة سلام ووداد وتحالف »، وكانت حكومة جلالته تأمل أن مصر بإعادة وزارة الخارجية ترسل ممثليها في الحال إلى الممالك الأجنبية، كما أنها كانت على استعداد لتعضيد مصر في انضمامها إلى جمعية الأمم إذا طلبت ذلك؛ وبذلك كان يتحقق لمصر في الحال ما للدول المتمتعة بحقوق السيادة من السلطة والميزات.
ولكن رفض حكومة عظمتكم الحاضرة لهذه الاقتراحات أوجد حالة جديدة، وهذه الحالة لا تؤثر في مبدأ السياسة البريطانية، ولكنها بالضرورة تقلل من التدابير التي يمكن تنفيذها الآن؛ ولذلك فإن حكومة جلالة الملك ترغب أن تبدي بوضوح حالة موقفها الآن.
Bilinmeyen sayfa