واسأل الرحمن منه العافيه
وطبيعة ثروت باشا بعد هي الدماثة واللطف والرقة والظرف، وإن كان فيه عند مقتضيات الأحوال شدة وصلابة وبأس وصرامة:
له سورة مكتنة في سكينة
كما اكتن في الغمد الحسام المهند
وتلك شيمة الرجل الفاضل في كل زمان ومكان، وتلك كانت شيمة أبطال العرب في ذروة عزهم وعلياء مجدهم؛ قلوب تذوب رحمة وعطفا، في جوانح تلتهب حمية وأنفا، وأرواحا تتدفق برا وكرما، تحت عزمات تثور عزا وشمما، كالينبوع الثر الغزير، العذب النمير، يكتنفه أمنع سور من الصفوان، وأمتن حاجز من الجلمد الصوان:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له
بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
وتلك كانت شيمة فرسان المسيحية في عهد الفروسية الأمجد الأشرف الذي هو فخر المدنية الغربية في القرون الوسطى، يوم كان أئمة الدين هم أيضا أئمة الحرب والجهاد، وكان أعلام التقى أعلام الوغى، يوم كان أبطالهم يحملون الإنجيل على أسلات الرماح، ويقرنون السيف إلى الصليب في نطاق ووشاح. هنالك كنت ترى أقصى غاية البر والرأفة والحنان، مع أقصى غاية الثبات والشجاعة وقوة الجنان. هنالك كنت ترى التواضع والحياء والخشوع والانكسار، مع البأس والشدة وصولة العزيز القهار:
خاشع تارة وجبار أخرى
فتراه أرضا وطورا سماء
Bilinmeyen sayfa