وإذ كانت العادة أن يتلهى أمراء النوبة في تلك الليالي بلعب الشطرنج وغيره، ويستعينوا على السهر بمذاكرة الشعر، ورواية أحاديث الدول، وتلاوة القرآن الكريم ومطالعة الحديث الشريف
2
فإن في المكان خزانة على شكل صندوق، إذا أقفل غطاؤه حسبته مقعدا ذا جانبين، وإذا رفع الغطاء وجدت فيه نسخا من أعيان الكتب المخطوطة في الشعر والتاريخ والقصص والفقه والتفسير وغير ذلك، وقد أتي بالخزانة في تلك الليلة من «دار الخاص»، ووضعت دوين الباب الأيسر الأعلى في الإيوان بميل وانحراف. وفي المكان في مقدمة المرزح دوين الباب الأيمن الأدنى ثلاث وسائد صغيرة ثمينة القيمة؛ اثنتان منهما إلى الأمام، وواحدة إلى الوراء بينهما على قيد ذراع منهما، وقد وضع بين الوسائد الثلاث دست، أي: صندوق صغير وضعت فوقه رقعة شطرنج، صفت عليها قطع من العاج والأبنوس المكفت بالفضة، وفي الدست درج ظاهر للمتفرج قد أخرج منه لتلقى فيه القطع المدحورة ساعة اللعب أو تحفظ فيه بعده.
أما الوسائد الثلاث فقد جلس على اليمنى منها الكاتب سهيل، مولى شجرة الدر امرأة السلطان وكاتم سرها، وهو فتى في الثلاثين من عمره لا لحية ولا شارب له؛ لأنه خصي، قد لبس كلوتة «طاقية مضربة» ظاهرها أطلس رومي أصفر اللون اعتم عليها على غير العادة بشاش من الحرير الإسكندري الأبيض، وعلى جسمه قياء بغلطاق «بلطو» من الحرير الأحمر الرومي، مسجف بفرو السنجاب، ومبطن بفرو ثمين، وقد تمنطق عليه بيند أبيض من الحرير، ويبدو من أسفل البغلطاق المذكور سراويل من الصوف الملطي «الجوخ» وفي رجليه خفان من الجلد الأسود البلغاري يلبسهما بخفين آخرين من الجلد الرقيق «أشبه بالمز أو هو بعينه» والخف الظاهر ذو رقبة عالية نوعا ما وتدخل فيها فتحة السراويل.
وسهيل هذا جالس يلاعب رجلا أمامه هو الأمير الكبير جمال الدين محسن الكاظمي ناظر الخاص «وهي أرقى مراتب الدولة يومئذ وأسماها»، وهو رجل في الأربعين من عمره بادن شيئا ما قد ارتدى كما ارتدى سهيل مع اختلاف في اللون؛ إذ كانت كل ثيابه بيضاء غير أنه قد توشح بحميلة تدلى منها سيف عربي مرصع القراب بشيء قليل من الجوهر، وقبضته مكفته بالذهب، وجلس على الوسادة الثالثة رجل يدل ارتفاع رأسه عن الآخرين على أنه مديد القامة
3
وهذا هو الفارس أقطاي، وهو رجل دوين الأربعين يبدو نحيف الجسم لطول قامته، له نظرات حادة مطمئنة تدل على الفروسية والاعتداد بالنفس، وهو أصفر شعر الشارب والرأس، وملابسه ملابس محسن إلا أن كلوتته من الصوف الأحمر وعمامته مفرعة إلى العلى، وكانت مرتبته إذ ذاك نائب الأتابك، أي: نائب القائد العام.
وإلى اليسار الأقصى بأدنى المرزح مقعد منخفض عليه وسادة ثمينة ومساند جلس عليه الأمير بيبرس البندقداري قائد المماليك البحرية المرابطين حول القصر، وهو يطالع في كتاب أمامه قد فتح على كرسي مجنح منبسط بديع النقش والتكفيت هو القرآن الكريم.
والأمير بيبرس هذا رجل فوق الثلاثين من العمر ربعة في الجسم بلا بدانة، أبيض الوجه مربعه، أزرق لون الحدقة، له نظرة الأسد في وقار وكرم، وفي إحدى عينيه كسرة في مؤخرها
3
Bilinmeyen sayfa