148

Abraham Linkuln

أبراهام لنكولن

Türler

وتدبر الرئيس في الأمر، ولم يعد يطيق صبرا على تلكؤ ماكليلان، وأخذت تصدر منه عبارات تعبر عما في نفسه نحو القائد، ومن ذلك قوله: «حقا إن ماكليلان لا يريد أن يحطم جيش العدو.» ومن ذلك أيضا ما كان منه ذات مرة وقد كان يبيت في المعسكر؛ إذ سأل ذات صباح وهو يستقبل الشمس المشرقة قائلا: ما هذا كله؟ فلما أجابه أحد القواد: إن هذا هو جيش بوتوماك. صاح قائلا: كلا إنه الحرب الخاص للجنرال ماكليلان.

جمع الرئيس عزمه على أمر، وظل نحو خمسة أسابيع يستحث ماكليلان على العمل، ولما لم يجد ذلك أصدر الرئيس في شهر نوفمبر أمره بعزل ماكليلان من قيادة جيش بوتوماك ووضع مكانه القائد بيرنسيد! •••

راح أهل الشمال يعلقون الآمال على تغيير القيادة، ففي أنفسهم أن ما حل بهم من الهزائم فيما سلف إنما يرجع إلى سوء تدبير ماكليلان.

ولكن في الجيش عددا كبيرا من الجند قد آلمهم أن يفارقهم قائدهم، أو أن يحال بينهم وبينه على هذه الصورة؛ لذلك لم يحسنوا لقاء القائد الجديد، أو لم يشعروا تحت رايته بما كانوا يشعرون تحت راية ماكليلان من حماسة.

وزحف القائد الجديد على رأس جيش ليحتل فردريك سبرج على الضفة الأخرى للنهر، حيث كان يرابط لي قائد الجنوبيين العظيم، ووقف القائد الشمالي تجاه خصمه يفصل بينهما نهر بوتوماك، وقف ينتظر أن توافيه إليه هناك تلك المعابر المتنقلة التي لا بد له منها ليعبر النهر، ولكن المعابر وصلته متأخرة فاستطاع خصمه القوي أن يحصن المرتفعات حول المكان، فلما أخذ يعبر النهر هو وجنوده انصبت عليهم النيران الحامية من كل صوب، ونظر القائد فإذا كثير من جنده حوله صرعى، لا يقل قتلاهم عن الجرحى، فكان لا بد أن يتراجع، وكانت هزيمة جديدة تضاف إلى سلسلة الهزائم في هذا العام المشئوم.

وحمل الجرحى إلى وشنطون فضاقت بهم المستشفيات، حتى لقد حول عدد كبير من الكنائس وغيرها من الأبنية إلى أمكنة للجرحى، وطافت النذر بالمدينة وانعقدت فيها سحب الهم مركومة سوداء، وأخذت الناس غاشية من الحزن ورجفة من الذعر، زاغت لهما الأبصار وبلغت القلوب الحناجر!

وأخذت الأنظار تتجه إلى البيت الأبيض وليس فيها من معاني الأمل بقدر ما فيها من معاني اللوم والغيظ، وكأنما كانت ترف حوله أرواح القتلى فتلبسه كآبة وتشيع فيه ما يكرب النفوس ويؤلم الصدور. وأخذ يظهر في العاصمة حزب جديد يرمي إلى وضع حد لهذه الحرب بأية وسيلة، وألفى الرئيس نفسه بين تصايح المتصايحين؛ فهنا من ينادون بوضع حد لهذه المحنة، وهنا من يطلبون إعادة ماكليلان إلى القيادة والسير في الحرب، ولكن في سرعة وحمية وإقدام، وغير هؤلاء وهؤلاء قوم يطالبون بتغيير القواد والبحث عما يكفل النجاح من وسائل جديدة، وقوم آخرون خيل إليهم أن الفرصة قد سنحت لهم لإعلان رأيهم في مسألة تحرير العبيد، وكانوا يرون ألا يمس ذلك النظام بما يغير من أصوله، وعلى الرئيس أن يراجع نفسه قبل حلول اليوم الأول من العام الجديد؛ وهو يوم التحرير.

وترامى إلى الناس فضلا عن مزعجات الحرب وشائعاتها أن المجلس التشريعي منقسم بعضه على بعض، وأن مجلس الوزراء نفسه قد فشا الخلاف في أعضائه، ورأى الناس مما يشاع ويذاع أنهم على حافة الكارثة!

ولكن السنديانة ثابتة وقد جن جنون العاصفة، لا تنال الريح العاتية شيئا من ثبوت أصلها وسموق فرعها، أولم يك في الغابة منبتها وكان فيها غذاؤها وريها؟

أجل إن رجلا واحدا هو الذي بقي أمام هذه الشدة رابط الجأش، فقد وقف أبراهام عزيزا لا يهون، صلبا لا يلين، بصيرا لا يطيش حلمه، أمينا لا يخون العهد الذي قطعه على نفسه، مؤمنا لن يقعد حتى يتم رسالته أو يموت في سبيلها، وكان موقف الرئيس هذا كل ما بقي للقضية من عناصر القوة، وأية قوة أعظم وأبقى من هذه القوة؟ وليت شعري ماذا كان يحدث لو لم يكن على رأس البلاد هذا الذي درج من بين أدغالها؟ أجل ماذا كان يحدث في هذه الظروف لولا هذا الصبر العظيم من جانب الرئيس، وأي صبر أعظم وأجمل من صبر هذا الطود الراسخ الأشم؟

Bilinmeyen sayfa