مسألة في صبيين مسلمين أخذهما رئيس الكنيسة فنشآ على دينه وبلغا عليه وتزوجا، ثم أسلما - ضمن «آثار المعلمي»
مسألة في صبيين مسلمين أخذهما رئيس الكنيسة فنشآ على دينه وبلغا عليه وتزوجا، ثم أسلما - ضمن «آثار المعلمي»
Araştırmacı
محمد عزير شمس
Yayıncı
دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٣٤ هـ
Türler
الرسالة السابعة والثلاثون
مسألة
في صبيين مسلمين أخذهما رئيس الكنيسة
فنشآ على دينه وبلغا عليه وتزوجا ثم أسلما
18 / 557
الحمد لله.
مسألة (^١)
صبي وصبية من أولاد المسلمين الصومال، أخذهما رئيس الكنيسة بِعَدَن وربَّاهما، فنشآ على دينه وبلغا عليه، فعقد لهما عقد النكاح كما يعقده بين أهل ملته، واستمرا كذلك حتى وُلِد لهما أولاد. ثم إن المرأة أسلمت فتبعها الرجل قبل انقضاء العدة، فما حكم ذلك؟
الجواب
إن لهذين الصبيين خمس حالات:
الأولى: حالة صغرهما قبل دخولهما الكنيسة.
الثانية: حالة دخولهما والتلبس بالنصرانية.
الثالثة: حالة بلوغهما على ذلك.
الرابعة: حالة عقد الزواج بينهما.
الخامسة: حالة عودهما إلى الإسلام.
فأما حالة صغرهما فإن حكمهما يُعلم من قول «المنهاج» مع شرحه (^٢): «(فإذا كان أحد أبويه مسلمًا وقت العلوق فهو) أي الصبي أي الصغير الشامل للأنثى والخنثى (مسلم) بإجماع، وتغليبًا للإسلام، ولا يضر ما يطرأ بعد
_________
(^١) كتب الشيخ جواب هذه المسألة مرتين، والأولى كأنها مسوّدة، فقد شطب على كثير منها، وهي ناقصة، والثانية كاملة تحتوي على تفصيل أكثر، مع ذكر النصوص من كتب الفقه، وهي هذه.
(^٢) «مغني المحتاج» (٢/ ٤٢٣).
18 / 559
العلوق منهما ــ أي من الأبوين ــ من ردّة».
وهذان الصبيان لم يزل آباؤهما مسلمين حال العلوق وبعده، فهما أولى بما ذُكر في الصورة الأولى فضلًا عن الثانية، فحكمهما أنهما مسلمان إجماعًا.
وأما حالة دخولهما الكنيسة وتلبسهما بالنصرانية فإن حكمهما يعلم من قول «المنهاج» وشرحه (^١): «(ولا تصحُّ ردّةُ صبي) ولو مميزًا (و) لا ردّة (مجنون) لعدم تكليفهما، فلا اعتداد بقولهما واعتقادهما».
ومنه علم أن تلبس الصبيين بالنصرانية حالَ صغرهما لغو، لا ينافي دوام الحكم بإسلامهما.
وأما حالة بلوغهما ودوامهما على التلبس بالنصرانية فإن حكمهما يعلم من قول «المنهاج» وشرحه (^٢): «(فإن بلغ) الصغير المسلم بالتبعية لأحد أبويه (ووصف كفرًا) بأن أعرب به عن نفسه كما في «المحرر» (فمرتد) لأنه مسلم ظاهرًا وباطنًا».
ومنه يُعلَم أن دوام هذين الصبيين على النصرانية بعد بلوغهما ردّة، فهما في تلك الحالة مرتدَّان.
والردة على ثلاث صور:
أحدها: قطع البالغ العاقل للإسلام بعد أن تلبس به مباشرة في حال كماله.
_________
(^١) «مغني المحتاج» (٤/ ١٣٧).
(^٢) المصدر نفسه (٢/ ٤٢٣).
18 / 560
الثانية: قطع البالغ العاقل إسلامه اللازم له بالتبعية، كمسألتنا.
الثالثة: ذكرها شيخ الإسلام بقوله (^١): «(أو) أصوله (مرتدون فمرتد) تبعًا، لا مسلم ولا كافر أصلي، فلا يسترقّ ولا يُقتل حتى يبلغ ويستتاب، فإن لم يتب قُتل».
ولم يفرق أصحابنا بين هذه الأقسام في شيء من الأحكام، وقد صرَّحوا في الصورة الثالثة بما ترى، فلم يجعلوه كافرًا أصليًّا، مع أنه خُلِق من الكفر ووُلِد فيه ونشأ عليه، فأولى منه الصورة الثانية التي عليها واقعة الحال. ولا فرق بين أن يكون الصبي في دار الإسلام وأن يكون في غيرها كما هو ظاهر. وقد يصر على ذلك. غاية الأمر أن الذي في دار الإسلام تحت سطوتنا، بحيث يمكننا تنفيذ الأحكام عليه، والذي في غيرها لا يمكننا ذلك، وهذا لا يُسقط الأحكام، بل إن تمكنَّا في الدنيا أجريناها، وإن لم نتمكن فيوم الفصل أمامنا.
والحاصل أن حكم هذين الصوماليين في الحالة الثالثة أنهما مرتدان، تجري عليهما أحكام الردة المعروفة.
وأما الحالة الرابعة ــ وهي حالة عقد النكاح بينهما ــ فإن حكمها يُعلم من قول «المنهاج» وشروحه (^٢): «ولا تحل مرتدة لأحدٍ، لا من المسلمين لأنها كافرة لا تقر، ولا من الكفار لبقاء عُلقة الإسلام فيها، ولا لمرتد مثلها، لأنهما لا دوام لهما».
_________
(^١) «فتح الوهاب شرح منهج الطلاب» لزكريا الأنصاري (٥/ ١٢٦ مع حاشية الجمل).
(^٢) انظر «تحفة المحتاج» (٧/ ٣٢٧)، و«مغني المحتاج» (٣/ ١٩٠).
18 / 561
وقال محمد رملي (^١) عند ذكر ولاية الكافر: «وأما المرتد فلا يلي بحالٍ، ولا يزوِّج أمته، ولا يتزوج».
وبه يعلم أن عقد النكاح المعقود بين الصوماليين في حالة الردة باطل، ولا أثر لكونهما حالَ العقد كانا مرتدين معًا كما مر. وقد ذكر في «المنهج» (^٢) الزوجين المسلمين ارتدَّا معًا ....
وإنما كان هذا العقد باطلًا للمانع القائم بين الزوجين، حتى لو كان العاقد إمام المسلمين أو قاضيهم. وليس بطلانه لوقوعه على يد رئيس الكنيسة، فإن عقود رئيس الكنيسة بين أهل ملته الأصليين صحيحة، كعقود سائر أهل الديانات الأخرى، كما أجمع عليه المسلمون أو كادوا.
وقد ذكر في «المنهج» وشرحه (^٣): «... أسلم على كتابية تَحِلُّ دام نكاحه، أو غيرها وتخلفت أو أسلمت وتخلف، فإن كان ذلك قبل الدخول وما في معناه فكردَّةٍ.
ثم قال: «(أو أسلما معًا) قبل الدخول أو بعده (دام) نكاحهما لخبر صحيح فيه، ولتساويهما في الإسلام المناسب للتقرير، بخلاف ما لو ارتدَّا معًا كما مر (والمعية) في الإسلام (بآخر لفظ) لأن به يحصل الإسلام لا بأوله ولا بأثنائه، وسواء فيما ذكر أكان الإسلام [استقلالًا أم تبعيَّةً].
وقوله: «وسواء فيما ذكر ... إلخ» يوهم ما ذكرناه أنه لا فرق بين أقسام
_________
(^١) «نهاية المحتاج» (٦/ ٢٤٠).
(^٢) (٤/ ١٩٩ مع الشرح والحاشية).
(^٣) (٤/ ١٩٩ - ٢٠٠).
18 / 562
الردة.
وأما الحالة الخامسة ــ وهي حالة توبتهما فعلينا أن نُعلِمهما بأن عقد النكاح الذي عُقد بينهما في حالة الردة لم يكن صحيحًا، ونجهد أن نعقد بينهما عقدًا صحيحًا، لأنه أولى من التفرقة، ولاسيما لمكان الأولاد، مع وجوب التأليف، ولاسيما حيث لم يزالا في دارٍ غير دار الإسلام. ويجوز العقد بينهما بلا عدّة. وإن قيل بأن الوطء في حال الردة وطء شبهة، لأنه هو صاحب العدة، ولا مانع.
هذا ما تيسَّر كتابته مع القصور وعدم الكتب في الحال، وبالله التوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
18 / 563