Zahirat Madd Wa Jazr Bihar
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Genres
أورد ابن الفقيه أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم الهمذاني (توفي نحو 340ه/951م) الرواية التي سئل فيها ابن عباس عن المد والجزر وكان جواب ابن عباس: «إن ملكا موكلا بقاموس البحر، إذا وضع رجله فيها فاضت، وإذا رفعها غاضت. قال كعب: ولقي الخضر ملكا من الملائكة فسأله عن المد والجزر فقال الملك: إن الحوت يتنفس فيشرب الماء ويرفعه إلى منخريه فذلك الجزر، ثم يتنفس فيخرجه من منخريه فذلك المد.»
45
وقد أشار ابن الفقيه (مقتبسا عن سليمان التاجر السيرافي ) إلى المد والجزر نصف النهاري، وذلك في حديثه عن جزيرة صندرفولات الصينية قال: «ومن صندرفولات إلى الصين مسافة شهر، إلا أن الجبال التي تمر بها السفن مسيرة سبعة أيام، فإذا جاوزت الأبواب صارت إلى ماء عذب يقال له خانفو، يكون فيه مد وجزر في اليوم والليلة مرتين.»
46 (2-2) أبو الحسن المسعودي
ما طرحه الكندي وأبو معشر البلخي من تفاسير لظاهرة المد والجزر تبناها أبو الحسن المسعودي (توفي 346ه/957م)، وقد ناقش موضوع المد والجزر في كتابيه «مروج الذهب ومعادن الجوهر» و«التنبيه والإشراف» مناقشة موسعة. حيث قدم لنا المسعودي تعريفه لظاهرتي المد والجزر بشكل علمي، ثم دعم ذلك التعريف بأمثلة من الطبيعة. ثم قدم أنواع المد والجزر حسب الاهتزاز المدي.
قال المسعودي في «مروج الذهب ومعادن الجوهر»: «المد: مضي الماء في فيحته وسيحته وسنن جريته، والجزر: رجوع الماء على ضد سنن مضيه وانكشاف ما مضى عليه في هيجه، وذلك كبحر الحبش الذي هو الصيني والهندي وبحر البصرة وفارس المقدم ذكره قبل هذا الباب. وذلك أن البحار على ثلاثة أنواع: منها ما يتأتى فيه الجزر والمد ويظهر ظهورا بينا، ومنها ما لا يتبين فيه الجزر والمد ويكون خفيفا مستترا، ومنها ما لا يجزر ولا يمد.»
47
بعدها انتقل للتفصيل في أسباب عدم ظهور المد والجزر في بعض البحار وظهوره في البعض الآخر.
قال المسعودي: «فالبحار التي لا يكون فيها الجزر والمد امتنع منها الجزر والمد لعلل ثلاث؛ وهي على ثلاثة أصناف: فأولها ما يقف الماء فيه زمانا فيغلظ وتقوى ملوحته، وتتكيف فيه الأرياح؛ لأنه ربما صار الماء إلى بعض المواضع ببعض الأسباب فيصير كالبحيرة وينقص في الصيف ويزيد في الشتاء، ويتبين فيه زيادة ما ينصب فيه من الأنهار والعيون، والصنف الثاني البحار التي تبعد عن مدار القمر ومسافاته بعدا كثيرا، فيمتنع منه المد والجزر، والصنف الثالث المياه التي يكون الغالب على أرضها التخلخل؛ لأنه إذا كانت أرضها مخلخلة نفذ الماء منها إلى غيرها من البحار وتخلخل؛ وأنشبت الرياح الكائنة في أرضها أولا فأولا، وغلبت الرياح عليها، وأكثر ما يكون هذا في ساحل البحار والجزائر.»
48
Unknown page