Zahirat Madd Wa Jazr Bihar
ظاهرة مد وجزر البحار في التراث العلمي العربي: مراحل تطور النظريات العلمية التي تفسر ظاهرة المد والجزر في البحار وإسهامات العلماء العرب والمسلمين فيها مع تحقيق مجموعة من المخطوطات العربية المتعلقة بالموضوع
Genres
أن قلنا لو كان المد والجزر إنما يكون بطبع البحر وتنفسه لكان ماء المد أبدا على حالة واحدة معلومة لا تزيد ولا تنقص، ولا يكون في وقت أقوى ولا أغلب من وقت آخر، ولا تختلف أوقات ابتدائهما وانتهائهما؛ لأن فعل الأشياء الطبيعية لا يختلف ولا تتغير عن الحالة التي تكون عليها، ونحن نرى خلاف ذلك كله؛ لأنه ربما قوي ماء المد في وقت أقوى وأغلب منه في وقت آخر على ساعة تمضي من النهار ثم تختلف حالا، لابتداء المد والجزر ونهايتهما على قدر اختلاف طلوع القمر ومغيبه وسائر حالاته، فعلمنا أن القمر هو علة المد والجزر وعلة سائر حالاتهما.
والحجة الثانية:
أن الأشياء التي تتنفس من ذاتها فإنها تحتاج إلى مكان أكبر من مكانها الذي هي فيه، فإن كان ماء البحر يتنفس من ذاته من غير علة القمر فإنه عند تنفسه يحتاج إلى مكان أكبر من مكانه الذي كان فيه، فكيف يمكن أن يرجع ذلك الماء إلى البحر في وقت الجزر، وليس له هنالك مكان؟ أو لم صار ذلك التنفس الذي يكون للبحر ورجوع الماء إليه يكون مع ارتفاعه وانحطاطه ومغيبه وليس ذلك في طبع حركة الماء؟ فإذا كان هذا هكذا فالقمر إذا علة المد والجزر.
والحجة الثالثة:
أن قلنا إن طبيعة الماء أن يذهب سفلا إلى عمق البحر ونحن نراه في وقت المد يتحرك علوا؛ لأنه يرتفع من عمق البحر إلى أعلاه، ثم يصير إلى الشاطئ ثم يرفع بعضه بعضا بحفر شديد حتى يرتفع وليس ذلك في طبع الماء أن يتحرك علوا، وليست تلك الحركة من طبعه، علمنا أن له محركا هو علة حركته، فإن لم يكن القمر علة تلك الحركة فلا بد له من علة أخرى غير القمر، وذلك ما لا يوجد، فليس إذن لحرمة ماء المد علة غير القمر كما ذكرنا فيما تقدم بالحجج المقنعة.
والحجة الرابعة:
في الرد على الذين قالوا إن القمر لو كان علة المد والجزر لكان يجب أن تكون الأودية والأنهار والعيون تمد وتجزر، فنقول إن الخاصية التي في المد والجزر لا توجد في كل الأودية والأنهار والعيون والجزائر والبحار كالكل فتوجد في الأودية والأنهار والعيون التي هي كالجزء من الخاصية؛ لأن مياه البحار غليظة، واقفة مالحة، ومياه الأودية والأنهار والعيون متحركة جارية لطيفة عذبة، فكما أن خاصية الأودية والأنهار خلاف خاصية البحار، فكذلك حال الآخر. وقد ذكرنا فيما تقدم لأية علة لا تكون في المياه الجارية كالأودية والأنهار والعيون والمد والجزر. (4-5) الفصل الثامن في اختلاف حالات
32
البحار وصفة البحار التي يتبين فيها المد والجزر والتي لا يتبين فيها ذلك وفي خاصية فعل الشمس في البحار [كنا] قد وصفنا المد والجزر وحالاتهما، وسنصف الآن البحار بصفة كلية كما وصفها بعض الفلاسفة، فإنهم قالوا إن القمر قد يؤثر في البحار كلها آثارا مختلفة، وإنما يتبين في بعض دون بعض لاختلاف حالاتها ومياهها.
فأما البحار فهي على ثلاثة أنحاء:
Unknown page