Yasqut Sibawayh
لتحيا اللغة العربية يسقط سيبويه
Genres
وهذه الأغلبية ليست من الشباب فقط ولكنها متمثلة في كافة شرائح المجتمع، كما لا يقتصر الأمر على الطبقات التي لم تنل حظا كافيا من التعليم، وإنما تمتد ظاهرة انخفاض المستوى اللغوي إلى طبقة المثقفين والمسئولين باستثناءات نادرة جدا؛ فغالبية رؤساء الدول العربية يقعون بخطبهم وأحاديثهم في أخطاء لغوية فادحة، وخاصة في التشكيل. ولا تكاد خطبة مسئول عربي على أي مستوى تخلو من أخطاء ولحن يخرق آذان من يعرف اللغة العربية. أما عن المذكرات الرسمية في الحكومة والدواوين العامة فإنها مكتظة بالأخطاء.
وأعلم أن بعض المسئولين يأخذون على مرءوسيهم أخطاء اللغة والهجاء التي يقعون فيها، لكن هؤلاء الوزراء والمسئولين أنفسهم غير منزهين عن الخطأ في العربية، ليس تقصيرا منهم، لكن لشبه استحالة عدم الوقوع في الخطأ عند التحدث أو الكتابة بلغة الضاد. •••
ويبدو أن غضب كبار المسئولين من ضعف مستوى العربية عند مرءوسيهم هو تقليد عربي قديم؛ فمن الروايات المتداولة في مجالات باب «التوقيعات» أن الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور (نحو 709-775م) وصله كتاب من عامله على حمص به أخطاء في اللغة، فكتب إليه: «استبدل بكاتبك، وإلا استبدل بك»، أي «ارفد» من يكتب لك، وإلا «رفدتك».
وقد استهلكت الصحافة المصرية أنهارا من الأحبار لفضح الأخطاء اللغوية وخاصة بين أوساط الطلبة الجامعيين، واتضح أن مستوى اللغة وصل إلى درجة مفزعة من الانحطاط. وقد أفردت الصحافة المصرية مئات من الموضوعات تفضح فيها تدني المستوى اللغوي في أوساط الطلاب الجامعيين وأعطت أمثلة لأخطاء تقشعر لها الأبدان.
واتضح لي أن التهكم على الأخطاء اللغوية تقليد قديم في الصحافة المصرية أيضا؛ ففي مارس 1922م نشرت مجلة «روضة البلابل» - وهي أول مجلة موسيقية في العالم العربي، وكان رئيس تحريرها لبناني يدعى إسكندر شرفون - مقالا عن الأخطاء اللغوية التي يقع فيها كبار المطربين آنذاك أثناء غنائهم للقصائد الشعرية. وكان كثير من هؤلاء المطربين يحملون لقب «شيخ»؛ مما يعطي انطباعا بإجادتهم اللغة.
وكان أطرف مثال ضربته المجلة عن مطرب لم تذكر اسمه وقع في خطأ مضحك؛ لخلطه بين العامية والفصحى في النطق، فكان يغني قصيدة أبي فراس الشهيرة «أراك عصي الدمع»، وعندما وصل إلى البيت الذي يقول:
معللتي بالوصل والموت دونه
إذا مت ظمآنا فلا نزل القطر
نطق كلمة ظمآنا: «ظمقانا» لاعتقاده أن ظمآنا بالنطق العامي، فحولها هو، إلى عربية فصيحة! •••
وكثيرا ما فوجئت بكبار المثقفين يخطئون أخطاء لا تصدق في لغتهم الأم التي يكتبون ويبدعون بها. وبعض هؤلاء أو معظمهم يعدون من رموز الأدب والكتابة في مصر والعالم العربي.
Unknown page