Wujudiyya Muqaddima Qasira
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
العالم الإنساني هو نظام مفتوح أو غير مكتمل، ونفس الاحتمالية الجوهرية التي تتهدده بالشقاق تنقذه أيضا من حتمية الفوضى وتمنعنا من اليأس منه، وتجعل المرء يتذكر فقط أن آلياتها المتنوعة هي في الحقيقة بشر، وتحاول الحفاظ على علاقة الإنسان بالإنسان وبسطها.
هوامش
الفصل السادس
الوجودية في القرن الحادي والعشرين
البقاء منفتحين على مغامرات التجربة.
موريس ميرلوبونتي
على الرغم من أن «الوجودية» تظل مصطلحا كثير الذكر، وعلى الرغم من أن سارتر يعد - على الأرجح - أشهر فلاسفة القرن العشرين، فغالبا ما يسمع المرء الادعاء بأن هذه الحركة قد اندثرت، وأن موجتين متعاقبتين من الفكر الفرنسي قد حلتا محلها؛ هما البنيوية في ستينيات القرن العشرين، وما بعد البنيوية في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين، وبعدها تبددت قوتها مع موت أبرز رموزها الفلسفية. باعتراف الجميع - باعتبارها ظاهرة انتشرت في الثقافة الغربية الشعبية - بلغت الوجودية أوجها في السنوات التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية مباشرة. كان هذا عصر الرقص الوحشي، وموسيقى الجاز في نوادي ليفت بانك المغشية بالدخان، ومسرح العبث، والحرية بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ أو حسب التعبير الفرنسي، كانت الوجودية ثمرة التحرير. كان من الصعب الحفاظ على قوة هذه اللحظة، ومع هذا بقيت روحها في أعماق المجتمع الغربي؛ فتجلت في عدة حركات انشقاقية في العقود اللاحقة، وربما كانت سببا في اندلاع أحداث مايو 1968.
رفع الجرافيتي المرسوم على الجدران الباريسية خلال ثورة الطلاب عام 1968 شعار «كل القوة للخيال»، وهو ما يجسد التلقائية، والأمل اليوتوبي، وربما العبث المطلق الذي يتسم به هذا الانقلاب الطلابي، والذي كان يوصف أحيانا بأنه ثورة «سارترية». لخص هذا التعليق الفكرة الوجودية القائلة إننا ما دمنا نوجد في الموقف فإننا مخلوقات تعتنق الممكن، فيما سماه سارتر بالتسامي، أو المستقبل إذا تحدثنا من الناحية الزمنية. لقد ذكرت أنه في منظور سارتر يدل «التسامي» بصفة أساسية على نشاط وعينا التخيلي الذي عن طريقه نتجاوز ما نعرفه بالفعل إلى ما يمكن أو يحتمل معرفته. لم ير أحد قط الحصان وحيد القرن، لكن لدينا صورا لما يمكن أن يراه المرء إذا كان هذا المخلوق موجودا في العالم الواقعي. وحسبما كتب سارتر في دراسته عن الروائي والمسرحي جين جينيت: «يمكن نفس القصور الإنسان من تكوين صور ويمنعه من اختلاق كائن.» يعتمد الوعي باعتباره غيابا أو قصورا في الوجود (فيما يسميه «العدم» في كتابه «الوجود والعدم») على الوجود، مثلما تعتمد صورتنا عن الحصان وحيد القرن على ما عرفناه عن الخيول والقرون وما شابه ذلك مما لا يستطيع الوعي أن يختلقه، لكنه حر في تشكيله حسبما يريد. خيالنا الإبداعي هو تعبير عن هذه الحرية التي تميزنا كبشر.
لكن الوعي السارتري يتصف بالالتزام؛ فهو ليس مجرد خيال حر. وعندما تتحول الحرية التي يسعى إليها إلى شيء ملموس، يصبح الالتزام سياسيا أكثر فأكثر، مثلما هي الحال مع الجانب «الخيالي» الذي يعبر عنه. ويشكل تصوره «لمدينة الغايات»، حيث جميع العلاقات متساوية (أي عند مستوى واحد) وغير موضوعية، نموذجا يوجه تفاعلاتنا الاجتماعية. إن العلاقة بين الفنان والجمهور التي يصفها سارتر بأنها قائمة على الانجذاب تجاه الموهبة حيث يتفاعل الأفراد وهم يحترم بعضهم حرية بعض؛ تمثل الآن نموذج التفاعل الاجتماعي الصادق بصفة عامة. ليس معنى هذا أن سارتر يميل إلى الفلسفة الجمالية (إحلال الجميل محل الأخلاقي، والفن محل الفضيلة)، بل هو - في حقيقة الأمر - يكتب عن الحب الصادق والصداقة بلغة مشابهة لتلك التي استخدمها في كتابه «مذكرة في فلسفة الأخلاق» الذي نشر بعد وفاته، وهي رؤية مربكة للوجوديين الذين يلتقون في عطلة نهاية الأسبوع والمعتادين على تحليل الحب (غير الصادق) الذي صور من الناحية السادية/الماسوشية في كتاب «الوجود والعدم».
ربما إذن كانت للوجودية - كظاهرة ثقافية - أيام مجد. ومع هذا، فحتى من منطلق ثقافي، تركت الوجودية آثارها في الثقافات الفرعية المتنوعة التي تلتها، وفي صياغة مصطلحات القلق وخداع الذات والالتزام والصدق، وما شابهها من مصطلحات ما زالت تتداخل مع أحاديثنا؛ إلا أنها في هذا الصدد يمكن اعتبارها مرحلة.
Unknown page