Wujudiyya Muqaddima Qasira
الوجودية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
شكل 1-2: سارتر يخطب في إحدى مظاهرات الطلاب في عام 1968.
2
جان بول سارتر (1905-1980)
ولد في باريس، وقد يكون أشهر فلاسفة القرن العشرين. جاب العالم كثيرا، عادة مع رفيقة حياته سيمون دي بوفوار. أصبح اسمه مرادفا للحركة الوجودية. كتب العديد من المسرحيات والروايات والأعمال الفلسفية، لعل أشهرها مقال «الوجود والعدم» (1943). فاز بجائزة نوبل في الأدب، لكنه رفض هذا التكريم. كان شديد الالتزام تجاه اليسارية معظم حياته العامة. وعندما مات، نزل الآلاف من معجبيه إلى الشوارع بصورة عفوية للانضمام إلى موكبه الجنائزي. ووقتها جاء عنوان إحدى المطبوعات: «فقدت فرنسا ضميرها». (5) الوجودية والفنون الجميلة: التواصل غير المباشر
لطالما كانت الوجودية وثيقة الصلة بالفنون الجميلة بسبب نظرتها الدرامية إلى الوجود، واستخدامها الواسع للصور القوية في نقاشاتها، ومناشدتها الاستجابة الشخصية في تواصلاتها. في واقع الأمر، عرض على كل من كامو وسارتر جائزة نوبل في الأدب (لكن سارتر رفضها). وكان كيركجارد شاعرا يستخدم الأسماء المستعارة والحكايات الرمزية وصورا أخرى من «التواصل غير المباشر» ليحفز ارتباطنا الشخصي بالموضوع المطروح. وكان نيتشه أحد كتاب النثر العظماء في اللغة الألمانية وحكايته الرمزية عن النبي التقي في «هكذا تحدث زرادشت»، مثل رواية سارتر «الغثيان»، هي نموذج للدراما الفلسفية. وكذلك كانت روايات سيمون دي بوفوار (1908-1986) تعبيرا عن آرائها الفلسفية. وكتب جابرييل مارسيل (1889-1973) الفلسفة بأسلوب تأملي وصفه ذات مرة بأنه تبدى على أوضح ما يكون في مسرحياته الثلاثين المنشورة. من بين الفلاسفة الذين نناقشهم، ربما لا ينطبق هذا التصنيف بالدرجة عينها من الدقة على هايدجر وكارل ياسبرز (1883-1969) وموريس ميرلوبونتي (1908-1961). ومع هذا، باستثناء ياسبرز، كتب الآخران دراسات مهمة في علم الجمال، واستعان ثلاثتهم بالمنهج الفينومينولوجي الذي يعطي قيمة للنقاش بالأمثلة. أصر كل منهم على أن الفنان - خصوصا الشاعر في حالة هايدجر، والفنان التشكيلي في حالة ميرلوبونتي - يتوقع وغالبا ما يعبر كما ينبغي عما يحاول الفيلسوف تصوره. قوي هو تأثير الأفكار الوجودية في الفنون الجميلة إلى حد أن البعض - كما رأينا - يفضل أن يصف الوجودية بأنها حركة أدبية. لا شك أن مؤلفين مثل دوستويفسكي وكافكا، وكتاب مسرحيين مثل بيكيت ويونسكو، وفنانين مثل جياكوميتي وبيكاسو يجسدون العديد من السمات المميزة للفكر الوجودي.
يجد مفهوم الالتزام تجاه الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي الذي يميز كل هؤلاء الكتاب أنسب تعبير له فيما أطلق عليه استخدامهم «التواصل غير المباشر» لنقل أفكارهم. يعكس المصطلح خطوة بلاغية تخفي هوية الفيلسوف الأدبية كي يستدعي توحد القارئ مع شخصيات العمل الأدبي عن طريق تعطيل حالة عدم التصديق لديه. هكذا استطاع كيركجارد أن يكتب تحت أسماء مستعارة مختلفة لمؤلفين وهميين، كل منهم يشير إلى وجهة نظر معينة مرتبطة بهذه الشخصية وليس بالفيلسوف نفسه تحديدا. كما تمكن نيتشه من تأليف محاكاة ساخرة عن نبوءة مكتوبة رغم تقليله من شأن الإيمان الديني في «هكذا تحدث زرادشت». وحتى أقواله المأثورة، مع أنها تحمل اسمه، تحمل قوة بلاغية صادمة، بصرف النظر عن هواجس المرء العابرة حول مصدرها، أي نوع «الحجة» الكامنة وراءها. بالمثل، كان كل من سيمون دي بوفوار وسارتر وكامو ومارسيل قادرا على كتابة الروايات والمسرحيات التي تعكس أفكاره بصورة ملموسة أمام جمهور عطل - في الوقت الراهن على الأقل - فتوره النقدي. وقد سئل سارتر ذات مرة عن سبب تصويره مسرحياته في الأحياء البرجوازية من المدينة بدلا من المناطق التي تضم الطبقة العاملة، فأجاب بأنه ما من برجوازي يستطيع مشاهدة عرض إحدى مسرحياته دون تكوين أفكار مسلية «تخون طبقته». هذه هي قوة الفن في توصيل دعوة فلسفية لأسلوب حياة. (6) هوسرل والمنهج الفينومينولوجي
على الرغم من أن المنهج الفينومينولوجي الذي وضعه إدموند هوسرل في الثلث الأول من القرن العشرين تبناه بشكل أو بآخر الوجوديون في نفس تلك الفترة، فإن الكثيرين من معتنقي المنهج الفينومينولوجي - وربما معظمهم - ليسوا وجوديين. لكن كلهم يقبل الادعاء الأشهر والأخطر لهذا المنهج، وهو أن كل وعي هو وعي بالآخر. بعبارة أخرى: من طبيعة الوعي أن يستهدف (يقصد) الآخر. وحتى حين يكون الوعي موجها نحو نفسه، فإنه يكون موجها بالمثل نحو «الآخر». يسمى هذا بمبدأ القصدية. في هذا السياق، فإن «القصد» ليست له علاقة ب «التعمد»، بل هو مصطلح فني يعكس ما هو فريد في أفعالنا العقلية؛ حيث تمتد هذه الأفعال فيما وراء نفسها ونحو الآخر.
إدموند هوسرل (1859-1938)
ولد في مدينة بروسنيتز بجمهورية التشيك، وحصل على درجة الدكتوراه في الرياضيات قبل التحول إلى دراسة الفلسفة. درس في جامعة جوتنجين بألمانيا بين عامي 1901 و1916، وفي فرايبورج إم برايجاو منذ عام 1916 وحتى تقاعده في عام 1928. يعد رائد المنهج الفينومينولوجي، ولعب دورا تأسيسيا في الفلسفة الأوروبية في القرن العشرين. كان مارتن هايدجر أشهر تلامذته وقد خلفه في فرايبورج. بسبب أصوله اليهودية شهدت سنوات حياته الأخيرة كربا شديدا مع بزوغ النازية. عقب وفاته في فرايبورج، نقل صديق له - قس بلجيكي - أرملته ومخطوطاته إلى جامعة لوفين قبل أن يتمكن النازيون من تدميرها.
لهذا المبدأ أهمية مضاعفة، فهو يتغلب على مشكلة «الربط» بين الأفكار الموجودة «داخل» العقل والعالم الخارجي الذي يجب أن تتشابه الأفكار معه. ليست لدينا «عين ثالثة» لنقارن ما يوجد داخل العقل بما يوجد خارجه لتأكيد ادعائنا بأننا نعرف العالم الخارجي. ورثنا هذه المشكلة عن رائد الفلسفة الحديثة رينيه ديكارت (1596-1650) وأتباعه. فخلال رحلة بحثه عن اليقين في مواجهة الشك، استخلص ديكارت أنه متيقن من شيء واحد، ألا وهو أنه مفكر؛ لأن الشك صورة من صور التفكير. بدا هذا وكأنه يبرر ادعاءه البديهي: «أنا أفكر إذن أنا موجود.» إلا أن هذا اليقين الذي بلغه بصعوبة لم يكن إلا نصرا مصحوبا بالخسائر؛ إذ تركه محاصرا «داخل» عقله، ليواجه مشكلة «رأب» الفجوة بين الواقع الداخلي والخارجي. فكيف يمدد هذا اليقين إلى العالم «الخارجي»؟
Unknown page