Wujuda Diniyya
الوجودية الدينية: دراسة في فلسفة باول تيليش
Genres
الراكدة المستسلمة. والذي يدخل منطقة الإيمان يدخل الحرم المقدس
Sanctuary
للحياة، فحيثما يكون ثمة إيمان، ثمة وعي بالمقدس، يهب شجاعة الكينونة وتأكيد-الذات، على الرغم من العدم بأشكاله الثلاثة.
لهذا يتمسك تيليش بالاهتمام القصي كتعريف للإيمان، وأيضا رفضا للتشويهات التي تلحق الإيمان من جراء التفسيرات العقلانية أو العاطفية أو تفسيرات أصحاب مذهب الإرادة الحرة
Voluntarism
ليس الإيمان فحسب؛ فالدين نفسه هو أيضا - وفقط - الاهتمام القصي، وأي اعتبار آخر تشيؤ للدين بل هراء، ولعلة تجديف. الرب أيضا هو الاهتمام القصي! وإلا فسوف ننظر إليه على أنه موضوع سام، طرف آخر من المفيد الدخول في علاقة معه، شأن أطراف أخرى عديدة ... المقصود من العقيدة الدينية أن نكون معنيين ومنشغلين بها، مهتمين ومهمومين بها، بصورة قصوى غير مشروطة، إنها تحتوينا داخلها، ونحن نحتويها داخلنا، حسنا أي تيليش! لكنك تحدد الاهتمام القصي بأنه الإيمان، وتعرف الإيمان بأنه الاهتمام القصي، في دوران منطقي واضح! والدوران مغالطه يندر بل يستحيل أن ينفذ منها اللاهوتي. ثم ترامى شأن الاهتمام القصي وانفلت من بين يدي تيليش، بحيث لا نجد حدودا نقف عليها أو حتى نتخطاها، فعل الإيمان هو الاهتمام القصي ... والدين هو الاهتمام القصي، والرب هو الاهتمام القصي، أي أصبح مفهوم الاهتمام القصي يعني كل شيء في التجربة الدينية، وبالتالي لا يعني أي شيء.
ولا يكتفي تيليش بهذا، بل يمضي قدما في تعريفاته حتى يعرف المؤمن، وأيضا الملحد على أساس الاهتمام القصي؛ فالملحد «من ليس له اهتمام قصي، وبالتالي ليس لحياته عمق، إنها ضحلة.»
25
وهو غير ناضج لأنه لا يسأل عن معنى الوجود - الذي هو الإيمان بالألوهية. أما الشخص الديني المؤمن فهو من له اهتمام قصي، ولكن هذا التعريف الأخير ينطبق على المؤمن، وأيضا على الملحد ذي الاهتمام القصي غير الألوهية، وإذا كان ساميا بدرجة كافية، كالإبداع العلمي أو الفني أو الإنجاز السياسي؛ فليس من الضروري أن يعاني قلق الخواء واللامعنى. إذن فتعريفات تيليش ليس لها معنى ، ما لم نصادر معه على المطلوب؛ أي على أن الاهتمام القصي السديد هو فقط الإيمان الديني، وهي مصادرة لا تلزم إلا من اختار منذ البداية أن يكون دينيا!
تيليش إذن وقع في مغالطتي الدوران المنطقي والمصادرة على المطلوب، ولن يستطيع الإنكار، ومع هذا نحسبه لن يعدم ردا؛ فقد دافع عن هذا التفسير الوجودي للدين بأن المقابلة التقليدية بين الدين والإلحاد خاسرة؛ فهي كالآتي: هل الدين وحي منزل للإنسان؟ أم من خلق الإنسان؟ اللاهوتيون أصحاب البديل الأول حينما يحاولون البرهنة عليه، إنما يتخذون الخطوة الأولى للإلحاد، وهي إنكار أو تفنيد تلك البراهين، والمخرج من هذه الإشكالية هو أن الدين أولا وقبل كل شيء شعور، وبهذا ينأى عن كل اعتراضات عقلانية أو عملية أو تاريخية ... لكن شعور لا تكفي، فلنتقدم خطوة تتفادى سلبية الشعور، لنجد الدين هو في النهاية، «اهتمام قصي»، يفصح عن نفسه في كل الوظائف الخلاقة للروح الإنسانية،
Unknown page