Warathat Mamalik Mansiyya
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genres
بدت علاقاتهم مع جيرانهم، في هذه الضاحية التي يغلب عليها ذوو البشرة البيضاء من الطبقة العاملة، جيدة (حيث جاء أحد الجيران أثناء وجودي هناك، وأوضح لي أنه تمنى لو كان بمقدوره أن يفعل شيئا لمساعدة الإيزيديين في العراق؛ لأنه من خلال ما عرفه من أبي شهاب، بدت حياتهم فظيعة). كان الشيء الوحيد الذي أزعج الأسرة بشأن الثقافة الأمريكية هو الطريقة التي كان يصور بها دينهم. قال أبو شهاب إنه سمع مراسل شبكة سي إن إن يصف الإيزيديين بأنهم «أبشع ديانة في العالم». وبالرغم من أنني وجدت صعوبة في تصديق ذلك، لكنه كان متأكدا تماما مما سمع، وقال إنه يأمل أنني إذا كتبت كتابي، فعلى الأقل لن يقول أحد ذلك مرة أخرى. في الواقع، غادرت معجبا بكرم ضيافة العائلة، ونظافة بيتهم (وهي سمة معروفة لدى كل من البيوت المندائية والإيزيدية في العراق)، والتقارب بين الأجيال. وإذ كانت هذه هي المرة الأولى التي أزور فيها بيتا إيزيديا؛ أدهشني أيضا مدى قلة الأدلة على دينهم. كانت توجد علامتان على دينهم: صورة للالش - لوحة فنية مرسومة وليست صورة فوتوغرافية - موضوعة على الخزانة، وبالطبع صورة الطاووس الإلزامية.
الصور الأخرى في غرفة المعيشة كانت كلها للعائلة؛ وخاصة أصغر أفرادها، ابنة أبي شهاب البالغة من العمر ثلاث سنوات، نالين. كانت تخفف من كآبة بعض محادثاتنا، عادة بالاستلقاء على الأريكة واضعة رأسها بالأسفل ورافعة ساقيها في الهواء، أو جعل يديها تبدوان مثل النظارة المعظمة والتحديق فينا من خلالها. أوضح ميرزا أنها كانت مغرمة بشكل خاص بأجدادها، وأنهم يعاملونها بقدر كبير من المودة. تساءلت كيف ستكون حياتها عندما تكبر؛ خاصة، عندما تصبح كبيرة بما يكفي للزواج. فقواعد الزواج الإيزيدية معقدة وصارمة للغاية. والأمر لا يقتصر على ضرورة زواج المرأة الإيزيدية من رجل إيزيدي فحسب، بل يجب أن يكون من الطبقة الصحيحة والعشيرة الصحيحة. ويتعين على بعض العائلات العراقية من الطبقة الأصغر (طبقة البير المتوسطة المقام) أن تجد أزواجا أو زوجات في بلدان أخرى. على سبيل المثال، قد يجد رجل عراقي زوجة في الجالية الإيزيدية في روسيا. وللتأكد من أن الزواج يتبع هذه القواعد، تجبر بعض العائلات أطفالها على الزواج عندما يبلغون من العمر خمسة عشر أو ستة عشر عاما فقط. كانت عائلة أبي شهاب من طبقة المريدين، وهي أدنى طبقة. وفي أمريكا، قد يكون هناك عدد قليل من الرجال المناسبين لنالين. وفي ديانة تطالب أتباعها بقليل من المطالب، كان هذا مطلبا لا يمكنهم عصيانه.
أرادت العائلة أن تريني المعالم السياحية المحلية؛ لذلك زرنا شلالات نياجرا، ووضعوا قرصا مضغوطا للموسيقى الإيزيدية في ستيريو السيارة. أخبرني أبو شهاب أن المطرب كان يسمى خضر فقير. وقد رزق بموهبته الموسيقية فجأة. فعندما كان شابا في حقول سنجار، ظهر له القديس الإيزيدي خضر إلياس في حلم. وعندما استيقظ، كان بإمكانه الغناء والعزف على العود (الباجلاما التي تشبه الجيتار) أفضل من أي إيزيدي على وجه الأرض. زادت قيمة خضر إلياس لدى أبي شهاب عندما رفض ارتداء الملابس الكردية أثناء العزف. قال أبو شهاب: «كان يرتدي فقط الملابس الإيزيدية.» وكان هو وميرزا حريصين على التأكيد على الهوية الإيزيدية باعتبارها شيئا منفصلا عن الهوية الكردية، وسخرا مني لقضائي بعض الوقت في العراق مع الإيزيديين الموالين للأكراد.
كانت هذه العائلة من الإيزيديين وحيدة تماما في بافالو، حيث عاش أقرب أبناء دينهم في لينكون، نبراسكا، على بعد آلاف الأميال. ويبدو أن رغبتهم في أن يكونوا على طبيعتهم، والتمسك بتقاليدهم، ظلت قوية. أخبرني أبو شهاب أن أفراد العائلة كانوا يرتادون كنيسة مسيحية عندما وصلوا إلى أمريكا. وقد ساعدهم الناس في الكنيسة عندما كانوا جددا هناك، وما زالوا يشعرون برباط الصداقة معهم. وأضاف مؤكدا: «لكننا لم نتخل عن معتقداتنا.» وسمحت خدمات الاتصال الهاتفي عبر الإنترنت، مثل سكايب، للإيزيديين المشتتين بالبقاء متصلين بعضهم ببعض. وقد ظهرت مجموعات افتراضية في جميع أنحاء العالم، وأتاحت سبلا جديدة للعثور على شركاء زواج محتملين لأطفالهم. ومع ذلك، يظل الإيزيديون في أمريكا يواجهون تحديا كبيرا: فكما هو الحال مع الدروز، قلة منهم يعرفون أصول دينهم. قال أبو شهاب إنه كانت ثمة خطة لإنشاء مركز اجتماعي في نبراسكا حيث يمكن للناس أن يجتمعوا للعب الورق وتعلم أساسيات الدين. «المشكلة هي أن الجيل الأكبر سنا، مثل والدي، ضيق الأفق. فهو يعرف أشياء عن الدين لكنه لن يخبرنا بها. وحده الشيخ ميرزا هو الذي سيخبرنا بهذه الأشياء.» قاطعته زوجته قائلة: «من المحتمل أنك تعرف عن ديننا أكثر مما نعرف.» فالإيزيديون سيشعرون بالحيرة عندما يضطرون إلى شرح معتقداتهم للآخرين أو المشاركة في جدال ديني.
وكذلك لا يوجد نظير لهم في المجتمع الأمريكي. فالمسيحيون الشرق أوسطيون لديهم رابطة فورية مع المسيحيين الأمريكيين، ويمكن للمهاجرين المسلمين العثور بسهولة الآن على مجتمعات من المسلمين الأمريكيين الذين سيقدمون لهم نوعا من المساعدة العملية ومكانا لممارسة العبادة. لكن الإيزيديين بمفردهم - باستثناء أمارو مارك بينكهام، كبير رهبان الجماعة الدولية لفرسان الهيكل الغنوصيين. فقد أخبرني كبير الرهبان أنه كان يتأمل في أمريكا الجنوبية، حيث كان يجرب طرقا جديدة لعيش الواقع، عندما وجد نفسه فجأة محاطا بمجموعة من الطواويس. وإذ شعر بالحيرة مما رآه، سأل فيما بعد أصدقاءه بشأنه، ووجهه أحدهم نحو الإيزيديين. وأضاف إلى سلسلته «أسرار فرسان المعبد» (سواء الكتب أو مقاطع الفيديو عبر الإنترنت) حلقة جديدة وأخيرة اسمها: «أسرار الملاك الطاووس». وعلى موقع الإنترنت، تصف جماعته نفسها بأنها «مكرسة لإحياء الحكمة الغنوصية وتقليد الإلهة لفرسان الهيكل الأصليين». وعندما تواصلت معه في عام 2013، كانت المنظمة تتألف من ثلاثين إلى أربعين عضوا؛ وتعود بداياتها وفقا لكبير الرهبان بينكهام (المصور على الموقع الإلكتروني مع زوجته، وكلاهما يرتديان تيجان الأسقف الطويلة جدا باللونين الأحمر والأبيض) إلى يوحنا المعمدان مرورا بمريم المجدلية وفرسان المعبد. لكنه كان يأمل في أن يؤدي تدريب «جيداي المعبد»، الذي قدم اعتبارا من عام 2014 فصاعدا، إلى زيادة أعدادهم.
كنت متشككا بشأن حقيقة اتصاله التاريخي بيوحنا المعمدان، لكن الإيزيديين رحبوا بمساعدته - رغم أنهم لم يستطيعوا أن يسمحوا لبينكهام نفسه بالانضمام إلى ديانتهم. كان هذا، على أي حال، ما قاله لي الإيزيديون في لينكون عندما زرتهم عام 2013. وبعد أن سمعت من أبي شهاب والشيخ ميرزا أنه توجد جماعة أكبر بكثير في نبراسكا، كنت حريصا على معرفة كيف نجت إحدى الأقليات الدينية العراقية في أمريكا الوسطى. وعندما وصلت إلى مطار لينكون الصغير، كان بانتظاري مجموعة مكونة من عشرين إيزيديا ليرحبوا بي؛ فحتى في ولاية كورنهوسكر [نبراسكا] يظهر كرم الضيافة العراقي. وكان كثيرون منهم وافدين حديثا وكانوا قد وصلوا إلى لينكون بفضل البرنامج الفيدرالي لإعادة توطين اللاجئين.
كان باسم، الذي كان يعيش هناك منذ عدة سنوات، مضيفي خلال الزيارة واتضح أنه أشبه بمنظم مجتمعي. ورتب لمقابلتي مع ستة إيزيديين في مقهى في وسط مدينة لينكون. كان أحدهم من طبقة البير، واستخدمه واحد من الآخرين في المجموعة مثالا على أنهم اضطروا إلى تغيير عاداتهم. «إنه من طبقة البير، وفي وطننا عادة نقبل يده عندما نلتقيه. لكننا لا نفعل ذلك هنا.» نظر إلى الأرضية الخشبية المكشوفة، والقسم الداخلي البسيط من المقهى، الذي كان جميع زبائنه الآخرين يضعون سماعات الرأس ويحدقون في أجهزة آي الباد الخاصة بهم. «سيظن الناس أنه تصرف غريب.» كان معظم هؤلاء الرجال قد وصلوا في السنوات الثلاث الماضية. وقد عانى أحدهم من صدمته الثقافية في وقت مبكر حيث قضى مدة أطول من ذلك في البلد والتحق بالمدرسة الثانوية في لينكون . وقال: «كان من الصعب علي قبول رؤية الأولاد والبنات يقبل بعضهم بعضا عند الخزائن. ولم أكن قد رأيت مدينة كبيرة من قبل.» وصدم آخر وصل حديثا من شيء آخر. قال، وهو يشهق: «البنادق التي يبيعونها علانية في المحلات التجارية هنا. في بغداد لن تجد أبدا أسلحة كهذه للبيع!»
كانوا قلقين من أن طائفتهم لن تحافظ على الديانة الإيزيدية مدة طويلة. قال باسم: «ليس لدينا أموال للاحتفال بأعيادنا. لذا فإن الرابع من يوليو يعتبر أهم من رأس السنة الإيزيدية؛ لأن الجميع يحتفلون به. فالإيزيديون يحتفلون بعيد الميلاد وليس جارشما سور «الأربعاء الأحمر».» وأضاف أن أحد الشيوخ ما زال يضيء 366 شمعة في البيت للاحتفالات الدينية، ونظم بسام نفسه من حين لآخر مسابقة حول الدين، يختبر فيها مدى معرفة الإيزيديين بالتقاليد الإيزيدية. لكنهم كانوا جميعا يعانون من عدم المعرفة الكافية. قال أحدهم متأسفا: «إذا سأل أطفالي عن ماهية الإيزيدي، فلن أستطيع إخبارهم.» وأخبرني الرجل المنتمي إلى طبقة البير أنه واجه تحديا صعبا بشكل خاص. فقد كان من المفترض أن يتزوج ضمن طبقته الفرعية المحددة، التي كادت الآن أن تنقرض. قال: «كان في مدينتي خمسة عشر ألف إيزيدية، لكنني لم أستطع الزواج من أي منهن.»
سألتهم إن كانت لديهم مشكلة في شرح دينهم للناس في أمريكا، لكن الرد كان أنه لم يكن يوجد لدى الناس اهتمام كبير بأن يسمعوا عنها. «فالناس لا يريدون طرح أسئلة غير محددة. يسألون فقط: «هل أنت مسلم؟» فقد حدثت بعض المشاكل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر؛ لأن الناس ظنوا أننا مسلمون.» وكما هو الحال مع أبي شهاب، كانوا يشعرون بالامتنان تجاه أمريكا، حيث كانت شكاواهم موجهة في الغالب إلى الحكومات في الشرق الأوسط. وتحدثوا عن مسئول جمارك أردني سخر من التراب المقدس من لالش الذي حاولت إحدى العائلات اصطحابه معها على متن الطائرة وتخلص منه. وتحدثوا عن تركيا، حيث لا يزال يتعين على الإيزيديين (حسبما قالوا) الإعلان عن أنفسهم بوصفهم مسلمين، وحيث لا يزال من الممكن رؤية الصخور التي قطعت عليها رءوس الإيزيديين الذين رفضوا تغيير دينهم خلال مذابح عام 1917. كانوا قلقين من الأخبار الواردة من كردستان، حيث كان مثيرو الشغب قبل بضعة أشهر قد أحرقوا متجرا لبيع المشروبات الكحولية مملوكا للإيزيديين (أروني مقطع الفيديو). لم يكن لديهم حنين للشرق الأوسط. قال الشاب الذي ذهب إلى المدرسة الثانوية في أمريكا: «هناك حقوق للسجناء هنا أكثر من حقوق الأحرار هناك. لا أظن أنه يوجد أي بلد يعامل المهاجرين بطريقة أفضل. كل ما علي فعله هو أن أوضح للوافدين الجدد أنه من الطبيعي ألا يحييكم الناس هنا.» غالبا ما يعتبر الناس في البلدات الأمريكية الصغيرة، خاصة في مناطق الغرب الأوسط، ودودين بشكل غير عادي، لكن من منظور هؤلاء القرويين الإيزيديين، بدوا باردين وفاترين من ناحية مشاعرهم.
يظهر باسم، وهو إيزيدي في لينكون، نبراسكا، تبجيله لملك طاووس من خلال تزيين غرفة معيشته بصورة طاووس وريشه. صورة مأخوذة بواسطة المؤلف. •••
Unknown page