Warathat Mamalik Mansiyya
ورثة الممالك المنسية: ديانات آفلة في الشرق الأوسط
Genres
وتوجد عادة أخرى أقل جاذبية تعود حتما إلى العصور الفرعونية. كتب هيرودوت أن المصريين «يمارسون الختان بغرض النظافة»، وتشير بردية من القرن الثاني قبل الميلاد إلى أن هذه الممارسة كانت تطبق على الفتيات والفتيان على حد سواء. ولا تزال كذلك. فقد وجدت دراسة استقصائية مدعومة من الأمم المتحدة في عام 2008 بشكل صادم أن أكثر من تسعين بالمائة من النساء المصريات اللائي شملهن الاستطلاع قد تعرضن لهذه الممارسة؛ مع أنها غير شائعة بين المصريين الأفضل تعليما. وتعرف أيضا باسم تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية، حيث تتضمن قطع البظر وأحيانا الشفرين أيضا بسكين. حظرت حكومة مبارك هذه الممارسة في عام 2007 بعد وفاة فتاة أثناء الجراحة. ومع أن أصلها ليس إسلاميا (حيث يمارسها بعض المسيحيين وكذلك المسلمون)؛ فقد استمرت هذه العادة المصرية القديمة الأبشع على الإطلاق أكثر من أي عادة أخرى، وعلى عكس تلك العادات الأخرى، تجتذب دعم الإسلاميين الأصوليين وليس عداءهم.
وتوجد علامة أخرى من مصر القديمة تحدق في وجوه معظم الزوار في وقت أو آخر. وهي «يد فاطمة» ذات اللون الأزرق التي تتدلى من الكثير من مرايا السيارات في القاهرة، والتي يعتقد اليوم أنها تمنع العين الشريرة، والحسد الذي يجتذبه الناس من خلال حظهم الطيب. في العصور القديمة كانت «يد حورس»، التي غالبا ما كانت تصنع من اللازورد الأزرق، تؤدي الغرض ذاته. وفي القرن التاسع عشر، بذل المصريون قصارى جهدهم لتجنب العين الشريرة؛ حيث كانوا يلبسون الأولاد ملابس الفتيات، ويلطخون وجوه الفتيات الجميلات لإخفاء حسنهن، ويطلقون على أنفسهم أسماء بغيضة مثل «العفش» أو «عصفورة» أو «الجحش».
تفهم قلة قليلة من المصريين المغزى الحقيقي لهذه العادات، مثلما يفكر معظم الإنجليز في الإله تيو عندما يلمسون الخشب من أجل الحظ. لكن السلطات الدينية المسيحية والإسلامية تريد من أتباعها التخلي عن هذه التقاليد. ويدينها تيار الإسلام السلفي بوجه خاص. في عام 2012 دعا السياسي الأصولي الإسلامي مرجان الجوهري إلى تدمير أبي الهول والأهرامات. وتقاطع الجماعات السلفية في مصر الاحتفال بشم النسيم وطالبت بإيقافه. ولا تزال كلمة «فرعون»، أيضا، كلمة بذيئة عند الإسلاميين. وعندما أراد الإخوان المسلمون في عام 2011 الترويج لدستور جديد كان سيجري التصويت عليه بنعم أو لا، ابتكروا شعار: «صوت بلا، ليحكم فرعون البلاد!» •••
لقد ضعف الدين الأصلي لمصر بسبب قرون من الحكم الأجنبي - من قبل الفرس، والإغريق، والرومان - بدءا من القرن الرابع قبل الميلاد. كليوباترا نفسها كانت من أصل إغريقي وفارسي، مع أن أسرتها حاولت اتباع العادات المصرية (أحد هذه التقاليد التي لم تكن مقبولة اجتماعيا كان زواج الفراعنة من أخواتهم؛ فكليوباترا كانت تنحدر من عدة أجيال من زواج المحارم). وصار المصريون الأصليون يحملون تسمية خاصة؛ لتمييزهم عن المستوطنين الإغريق الذين امتلكوا معظم الأرض وتولوا أمور الإدارة. فأطلق عليهم اسم «إيجيبتيي»؛ الذي اشتق منه كل من كلمة «إيجيبت» (مصر) و«كوبت» (قبطي). وبحلول القرن الثالث الميلادي، استطاع واعظ مسيحي أن يدعي أن الدين القديم كان يهيمن عليه اليونانيون، وأن المسيحية هي دين الأقباط.
لم يقتلع الإغريق بالحكم الروماني، الذي دخل مصر بعد مصرع كليوباترا، لكنه أدى إلى إلغاء دور الفرعون؛ وهو ما أدى بدوره إلى تقويض المعابد، التي كانت تعتمد على الدعم المالي من الفراعنة ولعبت دورا مهما في الحفاظ على استمرارية الثقافة القديمة. في القرن الثاني الميلادي، نرى مثالا على اضمحلال التقاليد في تقرير نقابة نحاتي الكتابة الهيروغليفية في مدينة أوكسيرينخوس؛ حيث بلغ عددهم خمسة فقط، كما ذكرت النقابة، ولم يكن لديهم متدربون لمواصلة هذه المهنة.
بقيت المعابد عدة قرون في ظل حكم الرومان، على الرغم من انخفاض قوتها. لكن في القرن الرابع، اعتنقت الإمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية وبذلت جهودا مضنية لقمع الدين القديم. وبحماس انضم إليها العديد من المصريين، وهاجموا الفلاسفة الوثنيين وطمسوا وجوه الآلهة على الجداريات في معابدهم حتى تبطل قوتهم السحرية. وفي الحدود الضيقة لوادي النيل في مصر، لا يوجد تسجيل لبقاء أي مجتمع غير مسيحي في زمن الفتح الإسلامي. وحتى اللغة المصرية القديمة غمرت بكلمات جديدة أتت بها المسيحية؛ حيث حلت الكلمة اليونانية «سايكي»، أي: الروح، محل كلمة «كا» الفرعونية.
وبقيت بعض العادات، كما علمت في كنيسة القديس مرقس؛ لأنها اعتبرت جديرة بأن تنضم إلى الطقوس المسيحية الجديدة. وكان رجال الدين المسيحيون في مصر في كثير من الحالات المسجلة إما كهنة معابد اعتنقوا المسيحية أو أبناء كهنة معابد. لذا كانت ترنيمة مثل «بيك إثرونوس»، التي سمعتها في كنيسة القديس مرقس في كنسينجتون، مألوفة جدا لهم. واحتاجت فقط إلى بعض التعديلات حتى تصبح موجهة إلى يسوع المسيح. وقد كانت الصنوج أيضا مستخدمة في عبادة الآلهة القديمة. ولبعض الوقت، حظرت الكنيسة المسيحية استخدامها، لكنها رضخت فيما بعد؛ ولا تزال تستخدم في الطقوس القبطية اليوم.
حدث خلاف بين الكنائس القبطية، والأرمنية، والسريانية من جهة، والبيزنطيين والأوروبيين من جهة أخرى، في مجمع خلقيدونية في القرن الخامس حول طبيعة المسيح. وتمثل هذا الاختلاف ببساطة في شعور الأقباط بأن المجلس لم يكن حازما بما فيه الكفاية في اتخاذ موقف في مواجهة أولئك الذين أرادوا التمييز بين يسوع الإنسان ويسوع الإله. وشدد الأقباط على أن ليسوع طبيعة واحدة فقط، وما زالوا يشيرون إلى أنفسهم على أنهم ميافيزيون (كلمة
mia physis
في اللغة اليونانية تعني «طبيعة واحدة»). نتج عن ذلك رفض البطريرك القبطي للمجمع؛ وعلى الرغم من أن مصر كانت آنذاك جزءا من الإمبراطورية البيزنطية، كان البطريرك وليس الإمبراطور هو الحاكم الحقيقي لمصر. وتأثرت العلاقات بين الأقباط وبيزنطة. وعكس الخلاف توترات أخرى أيضا؛ ربما من بينها كراهية الأقباط الطويلة الأمد للحكم الأجنبي. ومن المؤكد أن الانقسام الديني زاد من عمق هذه الكراهية، ولم يقاوم الأقباط كثيرا عندما غزا العرب المسلمون مصر في القرن السابع. وتوترت العلاقات إلى حد ما عندما فرضت الحكومة الإسلامية الجديدة ضرائب باهظة على السكان غير المسلمين؛ مما أدى إلى حدوث وقائع تمرد. ومع ذلك، ظل معظم المصريين مسيحيين حتى القرن العاشر، وظلت اللغة القبطية لغة شائعة حتى القرن الثالث عشر، حيث فرضت اللغة العربية تدريجيا. وفي القرن الرابع عشر، في أعقاب الحروب الصليبية والغزوات المغولية، زادت وتيرة أعمال الشغب ضد المسيحيين، وفرضت السلطات قوانين للحد من نفوذ الأقباط ومكانتهم. وأثناء رحلة الراهب الألماني يوهان فانسليب لاستكشاف مصر عام 1672، ذكر أن الأقباط كانوا «خائفين للغاية من الاستبداد المستمر لدرجة أنهم كانوا يرتجفون كأوراق الشجر من أقل ضجة.»
Unknown page