قيل في الصحف اللندنية إن تفكك منظمة سوهو اللاسلطوية كان سببه نقص الموارد المالية. والحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك؛ فالمنظمة اللاسلطوية ليست في حاجة إلى الموارد المالية، وما دام هناك من الأموال ما يكفي لشراء الجعة فإن وجود المنظمة سوف يستمر لا محالة. وقد أخبرني صحفي شاب بالحقيقة وراء فض منظمة سوهو، وقد كان هو رئيس الجلسة في آخر اجتماعات المنظمة.
لم يكن ذلك الشاب من دعاة اللاسلطوية وأنصارها، رغم أنه كان يتعين عليه أن يدعي أنه كذلك خدمة لمصالح جريدته؛ ومن ثم فقد انضم إلى منظمة سوهو حيث ألقى بعض الخطب الحماسية التي لاقت استحسانا كبيرا. وفي النهاية، أصبحت الأخبار التي تتناول موضوع اللاسلطوية سلعة كاسدة في السوق، وقد تلقى مارشال سيمكنز الشاب أوامر من رئيس تحرير الجريدة التي يعمل بها تفيد بأنه يتعين عليه الآن أن يحول انتباهه إلى العمل البرلماني؛ ذلك أن رئيس التحرير لن ينشر المزيد من أخبار اللاسلطويين في جريدته.
ربما يتراءى للمرء أن سيمكنز الشاب سر بالتخلص أخيرا من عمله مع اللاسلطويين؛ حيث لم يكن لديه أي شغف تجاه هذه القضية. وقد سر الشاب فعلا لذلك، لكنه وجد صعوبة في إرسال استقالته من المنظمة. ففي اللحظة التي تحدث فيها عن الاستقالة، بدأ أعضاء المنظمة ينظرون إليه بعين الريبة. كان دائما ما يرتدي ملابس أفضل من الآخرين، فضلا عن أن احتساءه الجعة كان أقل منهم. وإذا كان هناك من يرغب في أن يحظى بمكانة جيدة في تلك العصبة، فعليه ألا يتأنق في ملبسه وأن يشرب ما لا يقل عن جالون من الجعة في الاجتماع الواحد. ولم يكن سيمكنز يحتسي من الجعة سوى «ربع جالون» فقط، وكان هذا الأمر يشي به طوال الوقت لولا الحماسة الزائدة التي كانت تغلب على خطاباته. وفي الكثير من المناسبات تجمع حوله الكثير من اللاسلطويين المخضرمين والتمسوا منه أن يحيد عن نواياه العدائية والشريرة نحو مباني البرلمان.
ذهب الأعضاء الأقدم إلى أن محو المجالس البرلمانية أمر مرغوب ولكن الوقت غير موات بعد لذلك. وقد أشاروا إلى أن إنجلترا هي المكان الوحيد الذي يمكن للاسلطويين أن يعيشوا فيه ويتحدثوا من دون تدخل في شئونهم؛ ومن ثم على الرغم من أنهم كانوا يتلهفون شوقا أن يذهب سيمكنز ويقوم ببعض التفجيرات في فيينا أو برلين أو باريس، فإنهم لم تكن لديهم الرغبة في أن يبدأ بلندن. وكانت تهدئة سيمكنز في الغالب عملية صعبة للغاية، وفي النهاية وبعد أن همس لنفسه «جبناء!» مرتين أو ثلاثا، اختتم حديثه قائلا: «أوه، حسنا، أنتم أكثر دراية مني؛ فأنا مجرد عضو شاب، لكن اسمحوا لي على الأقل أن أفجر جسر ووترلو، أو أن أزرع قنبلة في شارع فليت، لكي نبرهن فقط أننا موجودون وعلى أهبة الاستعداد للعمل.»
لكن اللاسلطويين ما كانوا ليوافقوا على هذا. إذا كان يريد تفجير الجسور، فيمكنه أن يبدأ بتفجير الجسور التي تمتد على نهر السين. وقد اتخذوا قرارهم بأنهم لن يقوموا بأي تفجير في لندن ما دامت إنجلترا تشكل لهم ملاذا ومأوى.
صاح سيمكنز في غضب: «لكن انظروا إلى ميدان ترافلغار؛ فلا يسمح لنا بالاجتماع هناك.»
فقال رئيس الجلسة: «ومن يريد الاجتماع هناك؟ إن الاجتماع في هذه الغرف يوفر لنا قدرا أكبر من الراحة ، كما أنه لا توجد جعة في ميدان ترافلغار.» وقال بضعة أعضاء آخرين: «أجل، أجل. لم يحن الوقت لذلك بعد.» وهكذا هدءوا من حماسة سيمكنز، وسمح بصب الجعة مرة أخرى في هدوء، في حين أن واحدا من دعاة اللاسلطوية الأجانب، والذي لم يكن مسموحا له بأن تطأ قدمه أرض بلاده، كان يقف متحدثا بإنجليزية ركيكة عن الأشياء الرائعة التي يمكنهم القيام بها باستخدام الديناميت.
لكن عندما أرسل سيمكنز استقالته تغيرت نظرتهم إليه، ورأى في الحال أنه صار مشتبها به. وقد نصحه رئيس الجلسة هامسا بأن يسحب استقالته. ومن ثم، وقف سيمكنز الفطن متفهما حدة طباع الجمع وقال: «لا نية لدي للاستقالة، لكنكم لا تفعلون شيئا سوى الكلام، وأريد أن أنتمي إلى جمعية لا سلطوية تطبق مقولة «أفعال لا أقوال».» ولم يحضر الاجتماع التالي لذلك، وحاول أن يتخلص منهم بهذه الطريقة، لكن زارته إحدى لجان المنظمة في مسكنه، وظنت مالكة المنزل أن سيمكنز الشاب قد تورط في أمور سيئة حين رأت أولئك الرجال ذوي المظهر الخبيث الماكر وهم يزورونه.
وضع سيمكنز في مأزق، ولم يستطع أن يتخذ قرارا بشأن ما يتوجب عليه أن يفعل. وبات واضحا أنه لن يستطيع التخلص من مجموعة اللاسلطويين هؤلاء. فعاد إلى رئيس التحرير طالبا مشورته بشأن الوضع، لكن لم يستطع هذا الرجل أيضا أن يجد أي مخرج من هذا المأزق.
فقال له: «كان عليك أن تكون أذكى من ذلك، بدلا من الانخراط مع أولئك الأشخاص.»
Unknown page