ولكن لم تمض غير دقائق حتى اختفت تلك المدينة مرة واحدة، فعرفت أنها كانت أضلولة من أضاليل السراب.
وبعد نصف ساعة لاحت مدينة جديدة، فتأملت مرة ومرتين ومرات فتأكدت أنها مدينة حقيقية، وكنت كلما اقتربت منها زدت يقينا بأننا سنستريح بعد لحظات، وتمتاز تلك المدينة بما يكثر فيها من منارات المساجد وأبراج الكنائس، وبما يحيط بها من حدائق وبساتين، وقد نظرت فرأيت حولها فرقة من الجيش تسير نحو الشرق، وفوق ذلك الجيش يحلق سرب من الطيارات.
ما اسم تلك المدينة؟ ولمن ذلك الجيش؟ ولأي غرض يتجه نحو الشرق؟ آه من جهلي بدقائق علم الجغرافيا وعلم وصف الشعوب!
كنت أستطيع أن أسأل بعض المسافرين عن تلك المدينة، ولكني خجلت من السؤال، فقد كان فيهم من يعرف أني ذاهب لخدمة العلم في العراق، ومن كان في مثل حالي لا يليق به أن يجهل هذه البسائط الجغرافية.
وما هي إلا دقائق حتى اختفت هذه المدينة، وعرفت أنها كتلك: أضلولة من أضاليل السراب.
ولكن خداع السراب لن يستمر طويلا، فقد أقبلنا على واحة كثيرة النخيل، قد انتثرت فيها منازل صغيرة أكثرها أكواخ، وفيها ألوان من الحيوان أكثرها الإبل والشاء، وفيها عدد قليل من الأعراب.
لم أطرب كثيرا لظهور هذه الواحة، فقد كنت أستبعد أن نقف عندها لحظة أو لحظتين، فما فيها - فيما أظن - مطاعم ولا مشارب حتى يستريح بها المسافرون.
ولكنها على كل حال فرصة للنزول، وسأقترح الوقوف عندها بضع دقائق.
آه، ثم آه!
هذه أيضا أضلولة من أضاليل السراب.
Unknown page