Wahm Thawabit
وهم الثوابت: قراءات ودراسات في الفلسفة والنفس
Genres
intellectual intuition ؛ أي إننا نراها أو ننظر إليها ب «عين العقل»
mental eye
لدينا، وهي عملية يتصورها أفلاطون كشيء مماثل للرؤية، ولكن يعتمد كليا على الفكر ويستبعد أي عنصر يعتمد على حواسنا. ورغم أن وجهة نظر أرسطو في هذا الشأن أقل جذرية وإلهاما من وجهة نظر أفلاطون فإنها تفضي إلى نفس الشيء؛ ذلك أن أرسطو وإن كان يعلم أننا لا نصل إلى التعريف إلا بعد أن نكون قد قمنا بكل الملاحظات الممكنة؛ فهو يعترف بأن الخبرة لا يمكن على الإطلاق أن تحدد تعريفا تحديدا تاما، ويفترض في النهاية أننا نمتلك حدسا فكريا، تلك الملكة العقلية أو الفكرية التي تمكننا من أن ندرك ماهيات الأشياء وأن نعرفها؛ ويفترض كذلك أننا إذا ما عرفنا ماهية ما حدسيا نكون بالضرورة قادرين على وصفها؛ ومن ثم على تعريفها.
ونحن إذ نجمل هذا التحليل المختصر يمكننا - فيما أعتقد - أن نقدم وصفا مقبولا للمثال الأرسطي للمعرفة التامة والكاملة إذا قلنا: إنه ذهب إلى أن الهدف النهائي للمعرفة هو في جمع موسوعة تحتوي على تعريفات جميع الماهيات؛ أي تحتوي على أسمائها مع صيغاتها التعريفية، وإنه اعتبر أن تقدم المعرفة عبارة عن تراكم تدريجي لهذه الموسوعة، والتوسع فيها وملء الثغرات بها.
يتضح الآن دون أدنى شك أن جميع هذه الآراء الماهوية تقف على النقيض التام من مناهج العلم الحديث. أولا: رغم أننا في مجال العلم نبذل قصارى جهدنا لكي نصل إلى الحقيقة، فنحن على دراية بأننا لا يمكننا على الإطلاق أن نتيقن من أننا وضعنا يدنا عليها. لقد سبق أن تعلمنا من الإحباطات الكثيرة في مجال العلم أننا ينبغي ألا نطمح إلى الحقيقة المطلقة. ولقد تعلمنا ألا نحزن إذا ما تقوضت نظرياتنا العلمية؛ لأن بوسعنا في حالات كثيرة أن نحدد بثقة كبيرة أية نظرية من النظريتين هي الأفضل. بوسعنا إذن أن نعرف أننا نحرز تقدما، وإن هذه المعرفة لهي العوض - لدى معظمنا - عن انقشاع وهم الحقيقة المطلقة ووهم اليقين. نحن بعبارة أخرى نعرف أن نظرياتنا العلمية ينبغي لها دائما أن تظل فرضيات، ولكننا نعرف أيضا أن بوسعنا في حالات كثيرة مهمة أن نبين ما إذا كانت فرضية جديدة تفوق فرضية قديمة أم لا؛ ذلك لأنهما إذا كانتا مختلفتين فسوف تؤديان إذن إلى تنبؤات مختلفة، والتي يمكن في الأغلب اختبارها تجريبيا؛ وعلى أساس هذه التجربة الفاصلة يمكننا أحيانا أن نبين أن النظرية الجديدة تؤدي إلى نتائج مرضية في حين تقصر النظرية القديمة عن ذلك وتتقوض. بذلك يمكننا أن نقول: إننا في بحثنا عن الحقيقة قد استبدلنا باليقين العلمي التقدم العلمي، إن هذه الوجهة من الرأي في المنهج العلمي يعززها تطور العلم؛ فالعلم لا ينمو بتراكم موسوعي تدريجي للمعلومات كما كان أرسطو يعتقد، بل بطريقة أكثر ثورية بكثير. إنه يتقدم بواسطة الأفكار الجريئة، بواسطة تقديم نظريات جديدة وشديدة الغرابة (مثل نظرية أن الأرض ليست مسطحة، وأن المكان ليس مسطحا)، وبواسطة الإطاحة بالنظريات القديمة.
ولكن هذه الرؤية للمنهج العلمي تعني أن ليس في العلم «معرفة» بالمعنى الذي فهم به أفلاطون وأرسطو هذه الكلمة؛ أي المعنى الذي يتضمن النهائية. ليس لدينا في العلم مبرر كاف على الإطلاق للاعتقاد بأننا قد بلغنا الحقيقة، وإن ما اعتدنا أن نطلق عليه «المعرفة العلمية» هو كقاعدة ليس معرفة بهذا المعنى، وإنما هو معلومات تتعلق بشتى الفرضيات المتنافسة وكيف صمدت لشتى الاختبارات. إنه - باستخدام لغة أفلاطون وأرسطو - معلومات تتعلق بآخر «رأي»
opinion
علمي.
هذه الرؤية تعني - فضلا عن ذلك - أننا في العلم ليس لدينا براهين (باستثناء الرياضيات البحتة والمنطق بطبيعة الحال). أما في العلوم الإمبيريقية - التي بمكنتها وحدها أن تزودنا بمعلومات عن العالم الذي نعيش فيه - فالبراهين لا تحدث، إذا كنا نعني ب «البرهان»
proof
Unknown page