وتمهلت جون وهي ترشف قدح النبيذ الإيطالي الأحمر، ونظرت إلى الشجرة التي تتدلى أغصانها فوق الشرفة التي نجلس فيها كأنما تبحث عن الكلمات الصحيحة، ثم قالت في تؤدة: «أظنها قصة معروفة لكم أيها الأدباء، ولكنها كانت جديدة علي كل الجدة؛ إذ أخذ ألكسندر يتردد علي بانتظام، وأستطيع الآن بما تتيحه القدرة على التذكر من إصدار الأحكام الصائبة (
with the benefit of hindsight ) أن أقول إنني كنت أحبه ولم أكن أريد له ذلك المصير المؤلم.» وصمتت فقلت لها أستحثها: «هل ترك الكنيسة؟» فقالت «بل أصيب بصدمة عصبية أدت إلى انهياره النفسي، ونقلوه بعد شهور معدودة إلى مستشفى الأمراض النفسية؛ حيث كان يصاب أحيانا بوجوم واكتئاب يمنعه من الكلام أياما، وأحيانا بهياج يستلزم استخدام القوة للسيطرة عليه.»
وكان رشدي صامتا طوال الوقت، ثم نطق أخيرا فسألها: «أما يزال هناك؟» فردت على الفور: «لا، بل انتحر المسكين! وكان من الحالات التي سجلتها في الرسالة، فكانت من دراسات الحالة (case studies)
التي أعجبت المشرف، بل إنه طلب إدراج صورة ألكسندر في الرسالة، ووافقت، وسوف تطبع الرسالة قريبا.»
ونظرت في ساعتي حتى أنبه الحضور إلى أن الوقت قد تأخر، وأن علي أن أعود إلى نهاد، فسمحا لي بالانصراف، وعندما قابلت رشدي بعد ذلك كان يتحاشى ذكر جون مالوي تحاشيا مطلقا، ولم أشأ أن أسأله عما حدث بعد رحيلي، احتراما لصمته.
ولم يكن لي أن أقابل جون مالوي بعد ذلك مطلقا، خصوصا بعد انتقالنا إلى ردنج، ولكن قصتها ظلت مخطوطة في المفكرة، وكنت كلما قرأتها أتساءل عما تراه قد حدث لها مع آخرين، وكنت كثيرا ما أتطلع إلى الكتب الجديدة لعلي أرى رسالتها المطبوعة، ولكنني لم أوفق في ذلك أيضا، وعندما قصصت القصة على نهاد قالت لي: «إنها عقدة نفسية متحركة!» وعندما عدت إلى مصر بعد سنوات وتعمدت ذكر اسمها في سياق حديث عابر لرشاد رشدي لم يعلق، وحول وجهه عني (عامدا؟) كأنما ليتحاشى الإشارة إليها.
وكانت نهاد مشغولة آنذاك بكتابة بحث عن كوميديا المسرح الإنجليزي، بعد نجاحها في كتابة بحث مطول عن جوزيف كونراد، وكانت تتردد أثناء الصيف على رودني هيلمان، الذي كان يتولى الإشراف على هذا البحث، وكانت تقص علي أنباء زميلاتها مثل «نولا» الكندية، وبداية انشغالها بالبحث في المسرح، وأعتقد أن تلك هي بداية غرامها بالمسرح الذي يزداد اشتعالا على مر الأيام.
وفي أكتوبر حصلت نهاد على الدرجة، وإن كان موعد حفل تسليم الشهادة هو ديسمبر 1969م، وكنت أنا قد اتفقت مع كريستوفر سالفسن
Salvessen
وهو مدرس (محاضر) في جامعة ردنج ومؤلف كتاب شهير عن وردزورث هو
Unknown page