وفي اليوم التالي - يوم الجمعة - اقترح سامي علي أن أصحبه إلى مسجد لندن لأداء فريضة الجمعة، فتوضأنا وذهبنا فرأيت عجبا، كان معظم المصلين ممن لا يعرفون العربية؛ فهم مسلمون من بلدان أفريقية وآسيوية، وبعضهم من أوروبا، وكان عدد المصريين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وكلهم يستمع إلى خطبة باللغة العربية ويؤدي الصلاة طبعا باللغة العربية، كان من بينهم جارنا في المنزل (باقر) الباكستاني، وبعد الصلاة تحادثنا فعرفت أنه من طائفة الإسماعيلية، ولم أكن أعرف عنها شيئا حينذاك، فكنت أستمع في صمت لما يقال ونحن نسير خارجين عبر الحديقة المجاورة للمسجد، حتى تفرق الحشد الحاشد وذاب في زحام الطريق.
كنت مشغولا أثناء العودة بالتفكير في خطبة الجمعة، كانت ولا شك من الخطب المحفوظة، وذكرتني بالخطبة التي كان يلقيها الشيخ «حمدتو» في مسجد الشيخ قنديل في رشيد؛ فهي تبدأ بالصلاة والسلام على النبي، وتلاوة آية، ثم تأتي العبارات المعهودة: «أما بعد فأوصيكم عباد الله بتقوى الله، وطاعة أوامره واجتناب نواهيه ...» وقلت في نفسي: هل يفهم المصلون هذا الكلام؟ إنهم ولا شك يفهمون الآيات وقصار السور التي يقرءونها في الصلاة، ولكن تراهم يفهمون معنى «تقوى الله»؟ وهل من الجائز إلقاء خطبة الجمعة بالإنجليزية؟ وهل هي خطبة حقا (
homily ) أم موعظة (
sermon )؟ وما الغرض منها في لندن؟ ولم تتوقف تساؤلاتي بعد كل جمعة أصليها في ذلك المسجد.
وذهبت يوم السبت إلى «اليولو» حيث قابلت بعض المصريين، فعلمت منهم أن كلية المسرح في لندن (رادا وهي اختصار
Royal Academy of Dramatic Arts ) ستقدم حفلا في نفس اليوم مرتين؛ الأول ماتينيه (نهاري وإن كان يبدأ مثل جميع المسارح في الثانية والنصف ظهرا)، والثاني مسائي، وأن المسرحية هي «عطيل» لشيكسبير
Othello ، وأن البطل الذي يقوم بدور عطيل هو المصري أحمد عبد الحليم، ولم أتردد. ذهبت وشاهدت العرض، وبهرني ذلك العملاق المصري وهو يؤدي دور القائد المغربي الذي نهشته أنياب الغيرة فقتل زوجته ظلما، وكنت أتابع حركاته وسكناته بمزيج من الإعجاب والاعتزاز بموهبته الفذة، وسعيت إليه بعد انتهاء العرض وقلت له إنني سأكتب عن العرض في مجلة المسرح القاهرية، وطلبت صورا تنشر للعرض، فوعد أن يأتي بها بعد أيام، وعندما صدرت جريدة المسرح الإنجليزية
The Stage
كان فيها مقال يمتدح أداءه، كما ذكرت صحيفة التايمز
The Times
Unknown page