Usus Thaqafiyya Li Umam
الأسس الثقافية للأمم: الهرمية والعهد والجمهورية
Genres
ثمة مشكلة أخرى تنبع من التأكيد الحداثي الشائع القائل إن الأمم ناتجة عن القوميات (بمساعدة الدولة أو دون مساعدتها)، ونظرا لأن «القومية»، باعتبارها حركة أيديولوجية، لم تظهر قبل القرن الثامن عشر، فالأمم لا بد أن تكون حديثة أيضا. إلا أننا حتى لو قبلنا أن القومية، باعتبارها أيديولوجية منهجية، لم تظهر قبل القرن الثامن عشر، فإن افتراض أن القوميين فقط هم من يكونون الأمم هو افتراض مشكوك فيه، وهذا صحيح حتى لو عرفنا حركة القومية «الأيديولوجية»، بالإضافة إلى الأيديولوجيات الأخرى بمصطلحات «حداثية» نسبيا، وأعتقد أننا يجب أن نفعل ذلك فقط من أجل تجنب الخلط بينها وبين مفاهيم أكثر عمومية مثل مفهوم «الحس الوطني» أو مفهوم «الوعي الوطني».
الآن، عند قول «القومية» فإنني أقصد «حركة أيديولوجية للحصول على الاستقلال الذاتي والوحدة والهوية والحفاظ عليها نيابة عن سكان يعتقد بعض أفراد منهم أنهم يكونون أمة فعلية أو محتملة.» وبالمثل، أعتقد أننا نستطيع تحديد «عقيدة أساسية» للقومية؛ أي مجموعة مبادئ عامة يتمسك بها القوميون، على النحو الآتي: (1)
العالم مقسم إلى أمم، لكل منها تاريخها، ومصيرها، وشخصيتها. (2)
الأمة هي المصدر الوحيد للسلطة السياسية. (3)
من أجل الحرية لا بد أن ينتمي كل فرد إلى الأمة ويمنحها ولاء أساسيا. (4)
يجب أن تمتلك الأمم أقصى قدر من الاستقلال الذاتي والتعبير عن الذات. (5)
العالم العادل والسلمي يجب أن يكون قائما على تعددية من الأمم الحرة.
على هذا النحو، لم يتبن الكتاب والمفكرون في أوروبا الغربية وأوروبا الوسطى من روسو وهيردر إلى فيشته وماتسيني أيديولوجيات «القومية» إلا في أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر؛ ومن ثم، فإن القومية مذهب حديث، والعلامة الأيديولوجية المميزة لتلك الحداثة تكمن في الافتراضات الحديثة نسبيا المتعلقة بالاستقلال السياسي والأصالة التي يقوم عليها هذا المذهب، وطريقة تضافرها مع الأنثروبولوجيا السياسية.
5
إلا أن هذا لا يجعلنا ننكر أن بعض عناصر ذلك المذهب تعود إلى أبعد من ذلك بكثير. على سبيل المثال، كانت أفكار الأمة والمجاملات الدولية حاضرة بوضوح في مجمع كونستانس عام 1415، ويمكننا العثور على الكثير من الإشارات إلى الأمم وعلاقاتها في قرون سابقة، تعود إلى العصر القديم، حتى لو كان تفسيرها يمثل مشاكل خطيرة. هذا يعني أن بعض التصورات عن الأمة تسبق بعدة قرون ظهور القومية وتفسيراتها الخاصة للأمة؛ ونتيجة لذلك فإن مفهوم الأمة لا يمكن أن يكون مشتقا ببساطة من أيديولوجية «القومية». إن قصر مفهوم الأمة وممارسته على عصر القومية، واعتبارهما من نتائج هذه الأيديولوجية الحديثة، هو مرة أخرى تعسف وتقييد زائد عن الحد.
Unknown page