معتمدا على نتائج بحوث كل من «أتكسون وروبرتسون سميث» افترض «سيجموند فرويد» أن أساس القرابين، التي كانت تقدمها الشعوب القديمة لآلهتها، في شكل أضاحي من البشر، أو الحيوان بعد ذلك كبديل عن الإنسان، الذي لم يزل مستمرا إلى الآن، والذي تمثل في ديانة «فرويد» اليهودية في ذبيحة من الغنم الذكر الخالي من العيوب، في عيد الفسح العبري، افترض أن ذلك يعود إلى ذكرى في اللاشعور الجمعي، تعود بدورها إلى أيام سيادة الذكور المطلقة في المجتمع البدائي - فيما يزعم - وقسوة الأب الذكر الفظ، وإرهابه لبنيه، واستيلائه باستمرار على النساء جميعا، وقتله لأي من أبنائه يثير غيرته، أو لأي سبب آخر؛ مما أدى إلى تحالف الأبناء - يوما - ضد الأب القاسي والثورة عليه، وقتله وافتراسه معا، وما ذبيحة الفسح أو الأضحية والاجتماع حولها وأكلها جماعة، إلا تذكار لانتصار حلف الأبناء ضد الأب الشرس وقتله وافتراسه.
2
وقد عارضنا رأي «فرويد» في الدراسة المشار إليها آنفا، وطرحنا فرضا آخر لتفسير طقس القربان والتضحية، على أساس مختلف تماما، اعتمادا على رؤية تأملية خاصة في كلمة الأضحية والتضحية
Sacrifice
فرأينا الأب الأول فاديا استشهد فداء بنيه، وضحى بنفسه دفاعا عنهم، ومن أجل استمرار حياتهم، في صراع مع واحد أو أكثر من ضواري ذلك الزمان.
كما افترضنا أن هذا لا بد قد حدث في المجتمع الأبوي الذكري البدوي الرعوي، إذ ارتفع الأب بمجد عمله في نظر أبنائه إلى السماء مقدسا؛ ليحل في أوضح كواكب البادية وأقربها إلى حس الرعاة، أقصد القمر، الذي أصبح إلها يستحق التضحية له بأعز ما يملك الإنسان، عرفانا له بتضحيته السالفة.
وللتشابه القائم بين قرني التيس أو الخروف أو الثور، وبين الهلال، فقد تصور الإنسان أن هذا الحيوان إن هو إلا سلفه المعبود؛ ومن ثم قام بذبحه في احتفالات خاصة، ثم أكله ليحتويه في حشاه وبطنه بتلك الأيام الغابرة.
ورغم اختلاف المجتمعات التي تحتفل بهذه المناسبة (الذبح)، فإن العين الفاحصة لكل احتفال أضحوي - رغم اختلاف الطوائف - ستلاحظ غلبة الطقوس القمرية على هذه المحافل.
وأحيانا قام الإنسان بذبح أحد أبنائه، أو نذره للذبح كضحية لربه، وانتشر هذا الطقس انتشارا واسعا في وقت من الزمان، ويبدو أنه الأساس في ظاهرة الختان، التي اعتبرت - لدى كثير من الباحثين - ذبحا جزئيا، بديلا عن الذبح الكلي الذي كان يمارس في غابر الأيام.
أما القرابين في المجتمع الأمومي، الذي عبد ربات ولادات مخصبات في مناطق زراعية، فقد افترضنا أنها ممارسة الجنس الجماعي، وهو ما عثرنا عليه في طقوس كثير من الإلهات الإناث في حوض المتوسط، وسبق أن فصلنا القول فيه في دراستنا (المشار إليها) إذ وجدناه منتشرا بشكل وبائي حاد، وكان قربانا وتقربا يتلاءم مع نظام زراعي، للخصب والميلاد والحياة فيه الدور الأساسي، وتؤدي فيه الإلهات الإناث دور الخصب والولادة ومنح الحياة، ويقوم على أساس قديم، سادت فيه الأنثى التي لا تعرف رجلا واحدا، وبعد تداخل المجتمعين : الرعوي الأبوي، والزراعي الأمومي ، وسيادة الذكور ونشوء نظام الزواج، بدأت محاولات للتخفيف من طقس الجنس الجماعي بما يتلاءم مع الأوضاع الجديدة. كما خفف من قبل ذبح الطفل إلى عملية ختان. فتحول الطقس من جنس جماعي عام، إلى فريضة يجب أن تؤديها المرأة ولو مرة واحدة على الأقل في حياتها، وهي ممارسة الجنس مع غريب عنها.
Unknown page