Urjanun Jadid
الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة
Genres
فمثلا إذا كنا نبحث في طبيعة اللون فإن المنشور والبلورات والندى - أيضا - ومثل تلك الأشياء التي لا تتلون فحسب في ذاتها بل تلقي بالألوان خارجها على الحائط، تعد «شواهد انفرادية»؛ ذلك أنها لا تتفق في شيء مع الألوان الثابتة في الأزهار والأحجار الملونة والمعادن والأخشاب ... إلخ عدا اللون. نخلص من ذلك بسهولة إلى أن اللون ما هو إلا تعديل في شعاع الضوء المتلقى على الشيء، في الحالة الأولى خلال درجات مختلفة للحدث، وفي الثانية خلال مختلف أنسجة الجسم وبنياته،
28
وهذه الأمثلة انفرادية من حيث التماثل.
وأيضا في نفس البحث فإن العروق المميزة البيضاء والسوداء في الرخام، وتنوعات اللون في الأزهار التي هي من جنس واحد، هي «شواهد انفرادية»؛ فالخطوط البيضاء والسوداء في الرخام، والبقع الحمراء والبيضاء في القرنفل، تتفق في كل شيء تقريبا عدا اللون نفسه، ومن هنا نخلص ببساطة إلى أن اللون لا شأن له بالطبيعة الداخلية للشيء، بل يعتمد ببساطة على الترتيب العيني وشبه الميكانيكي للأجزاء، وهذه «شواهد انفرادية» من حيث الاختلاف، وأنا أسمي كلا النوعين شواهد «انفرادية» أو «آبدة»
ferine
مستعيرا المصطلح من الفلكيين. ••• (23) في المرتبة الثانية من «شواهد الامتياز» سأضع «شواهد الانتقال»
instances of transition ،
29
حيث الطبيعة محل البحث هي في طور التكوين إذا كانت غير موجودة قبلا، أو في طور الاختفاء إذا كانت موجودة قبلا؛ ولذا ففي كلتا هاتين الحركتين المتضادتين فإن هذه الشواهد هي دائما مزدوجة، أو بالأحرى شاهد واحد يستمر في حركته ومروره حتى يصل إلى الحالة العكسية، مثل هذه الشواهد لا تسرع وتقوي عملية الاستبعاد فحسب، بل أيضا تخفض الإثبات (الإيجاب) أو الصورة نفسها إلى نطاق ضيق، فصورة الشيء يجب بالضرورة أن تكون شيئا ما يدخل بواسطة نوع من الانتقال أو من الجهة الأخرى يزال أو يباد بواسطة نوع آخر، ورغم أن كل استبعاد يشجع «إيجابا»، فإن هذا يتم بشكل أكثر مباشرة عندما يحدث في نفس الموضوعات منه في موضوعات مختلفة، والصورة (كما هو واضح جدا مما قلت) التي تنكشف في حالة مفردة تمهد الطريق إلى اكتشافها في كل الحالات، وكلما كان الانتقال أبسط وجب أن يزيد تقديرنا للشاهد (المثال)، كما أن «شواهد الانتقال» مفيدة تماما من الجهة العملية؛ لأنها إذ تعرض الصورة مرفقة بالسبب الذي يجعلها كذلك أو يمنعها من أن تكون كذلك، فإنها تقدم توجيها واضحا للممارسة في بعض الحالات التي يسهل الانتقال منها إلى الحالات التالية، على أن هناك خطرا فيها يتطلب تحذيرا، فقد تدفعنا إلى ربط الصورة ربطا زائدا بالعلة الفاعلة، وقد تشرب الذهن - أو على الأقل تغمسه - برؤية زائفة للصورة في علاقتها بالعلة الفاعلة، فتعرف العلة الفاعلة دائما على أنها ليست أكثر من وعاء أو حامل للصورة، يمكن علاج هذه المشكلة بسهولة بواسطة التطبيق القويم للاستبعاد.
علي الآن أن أقدم مثالا ل «شاهد انتقال»، ولتكن الطبيعة المطلوبة هي البياض، فمثال لإنتاجه هو الزجاج السليم والزجاج المسحوق، وكذلك الماء الرائق والماء المزبد (الذي قلب حتى أزبد)، فالزجاج السليم والماء الرائق شفافان لا أبيضان، أما الزجاج المسحوق والماء المزبد فأبيضان لا شفافان؛ ولذا فإن على المرء أن يسأل ماذا حدث للزجاج أو للماء كنتيجة للانتقال، فمن الواضح أن «صورة» البياض انتقلت وأدخلت بواسطة سحق الزجاج وتهييج الماء، ولا شيء آخر نجد أنه حدث عدا تفتت الزجاج والماء إلى أجزاء دقيقة وعدا دخول الهواء، ليس بالشيء اليسير تجاه اكتشاف «صورة» البياض أن جسمين شفافين في ذاتهما (أي الهواء والماء أو الهواء والزجاج) يظهران بياضا بمجرد تشظيهما إلى كسر دقيقة بسبب الانكسار غير المتساوي لأشعة الضوء.
Unknown page