105

Urjanun Jadid

الأورجانون الجديد: إرشادات صادقة في تفسير الطبيعة

Genres

ها نحن أولاء قد عرضنا المبادئ أو العناصر البسيطة للحركات والميول والقوى النشطة الأوسع انتشارا في الطبيعة، ورسمنا فيها معالم قسط غير يسير من العلم الطبيعي، ولست أدعي استحالة إضافة أنواع أخرى، كما أن التقسيمات نفسها قد تعدل لتلائم الخطوط الحقيقية للأشياء على نحو أفضل، وقد تختزل إلى عدد أصغر، ولكني لا أعني أن هذا مجرد تقسيم تجريدي، كما لو أن على المرء أن يقول: إن الأجسام ترغب في حفظ ذاتها أو في النمو أو التكاثر أو الاستمتاع بطبائعها الخاصة، أو أن حركات الأشياء تميل إلى المحافظة والمصلحة الخاصة، إما بالكل (كما في حالة المقاومة والارتباط)، أو بالوحدات الكبيرة كما في حركة «الاحتشاد الأكبر» و «الدوران» و«النفور من الحركة»، أو بالصور الخاصة كما في الحالات الأخرى، فرغم صحة هذه الأشياء إلا أنها تظل نظرية وقليلة الجدوى ما لم تتحدد مادتها وبنيتها تحديدا صحيحا، غير أنها في الوقت الحالي ستكون كافية ومفيدة جدا في تقدير هيمنة القوى، وفي استقصاء شواهد الصراع التي تشكل موضوعنا الحالي.

فبعض الحركات التي قدمتها لا يقهر على الإطلاق، وبعضها أقوى من البعض وبوسعها أن تقيده وتكبحه وتتحكم فيه، والبعض يمتد إلى مسافات أبعد، والبعض يفوق غيره في الوقت والسرعة، والبعض يكلأ غيره ويقويه ويزيده ويسرعه.

إن حركة «المقاومة»

indestructibility

هي حركة عنيدة تماما ولا تقهر، أما حركة «الارتباط»

connection/bonding

فلست على يقين من أنها لا تقهر، إذ إني لا أجزم بأن هناك فراغا، سواء كان فراغا مجتمعا في مكان واحد أو كان ممتزجا بالمادة، غير أني موقن من شيء واحد، وهو أن السبب الذي دفع ليوسيبوس وديمقريطس إلى القول بوجود الفراغ (وهو أنه لولا وجود الفراغ لما استطاعت نفس الأجسام أن تحتوي وتملأ الأماكن على اختلاف أحكامها) هو سبب زائف؛ ذلك أن المادة قادرة على أن تطوي ذاتها في المكان وتنشرها داخل حدود معينة، دون تدخل فراغ، وليس ثمة فراغ في الهواء عشرون ضعفا من الفراغ الموجود في الذهب، وهو ما تحتمه فرضيتهما. وأنا على قناعة كافية بذلك بالنظر إلى القوى الشديدة للأجسام الهوائية (وإلا لظلت طافية في مكان فارغ مثل ذرات الغبار)، وإلى براهين أخرى كثيرة، أما عن الحركات الأخرى فهي تحكم وتحكم بدورها وفقا لقوتها وكميتها وسرعتها وقوة دفعها والمواتيات والمعوقات التي تقابلها.

مثال ذلك: إن هناك بعض المغناطيسات المدرعة بوسعها أن تمسك بأثقال حديدية ستين ضعف وزنها، إلى هذا الحد تهيمن «حركة الاحتشاد الأصغر» على «حركة الاحتشاد الأكبر»، ولكن إذا زاد الوزن عن ذلك فإنها تستسلم، وبوسع رافعة ذات طول معين أن ترفع ثقلا ضخما، إلى هذه الدرجة تهيمن حركة «الحرية» على حركة «الاحتشاد الأكبر»، ولكن إذا زاد الثقل عن ذلك تستسلم، والجلد المشدود حتى درجة معينة لا ينقطع ، إلى هذه النقطة تهيمن حركة «التماسك» على حركة «التوتر»، ولكن إذا زاد التوتر عن ذلك ينقطع الجلد وتستسلم حركة «التماسك»، والماء المنسرب من شق بحجم معين، إلى هذه النقطة تهيمن حركة «الاحتشاد الأكبر» على حركة «التماسك»، ولكن إذا كان الشق صغيرا جدا فإن حركة «الاحتشاد الأكبر» تستسلم، وتسود حركة «التماسك»، وإذا وضعت مسحوق كبريت بسيط في بندقية بها رصاصة وأطلقت النار فإن الرصاصة لا تنطلق، في هذه الحالة تهيمن حركة «الاحتشاد الأكبر» على «حركة المادة»، ولكن إذا وضعت بارودا فإن «حركة المادة» في الكبريت تسود، إذ تؤازرها هذه الحركة وحركة «الاجتناب» في النيتر (النترات)، وهكذا في البقية، فشواهد الصراع (التي تشير إلى هيمنة القوى، وفي أية مقادير ونسب هي تهيمن أو تستسلم) يجب أن يبحث عنها في كل مكان باجتهاد شديد ومتواصل.

علينا أيضا أن نجري دراسة جادة لطرائق وأسباب استسلام الحركات، فهل هي مثلا تتوقف تماما، أم هي تظل تقاوم ولكنها تغلب على أمرها؟ ففي الأجسام التي هنا على الأرض ليس ثمة راحة حقيقية، لا في الكلات ولا في الأجزاء، بل هناك فحسب مظهر الراحة، وهذه الراحة الظاهرية تنجم إما عن «التوازن» وإما عن «الهيمنة» المطلقة للحركات: عن «التوازن» في حالة الموازين التي تقف ساكنة إذا كانت الأوزان متساوية، وعن «الهيمنة» في حالة الجرار المثقوبة، حيث يمكث الماء في مكانه ويمنع من السقوط بهيمنة حركة «الارتباط»، إلا أن على المرء أن يلاحظ (كما قلت آنفا) كم تبذل الحركات المستسلمة من جهد، فإذا ثبت شخص أرضا، ممددا ومربوط الذراعين والرجلين، أو مقيدا بطريقة أخرى، إلا أنه يحاول بكل قوته أن يقوم، فإن مقاومته ليست أقل وإن كانت غير ناجحة. إن الموقف الحقيقي هنا (أي ما إذا كانت حركة الاستسلام منعدمة بواسطة «الهيمنة» أم أن المقاومة مستمرة وإن كنا لا نراها) ربما سيظهر في تزامن الحركتين وإن غم علينا في صراعهما، ولنجر تجربة في الرماية على سبيل المثال: احسب المدى الذي تقطعه الرصاصة المنطلقة من البندقية في خط مستقيم (قبل أن تنحدر) أو

at point-blank range (كما يقولون)، ثم انظر ما إذا كان الرمي إلى أعلى سيجعل الرمية أوهن من الرمي إلى أسفل، حيث حركة الجاذبية تعضد حركة الرمي.

Unknown page