185

فقال الملك: «والله يا توماس إنك لحمار، حمار في غبائك وعنادك! تعالوا أيها النبلاء، افسحوا جميعا، افسحوا! التفوا حوله، أعطوا بلندل هذا المقعد. أين حامل القيثارة! أو - مهلا - أعيروه قيثارتي، فلربما أتلف السفر قيثارته.»

وقال توماس دي فو: «وددت لو أن جلالتك استمعت إلى نبئي؛ لقد سافرت على مطيتي طويلا، وأنا الآن إلى الفراش أشوق مني إلى العبث بأذني.»

قال الملك: العبث بأذنيك! إن هذا إنما يكون بريش الدجاج لا بحلو النغم. استمع إلي يا توماس، هل تفرق أذناك بين غناء بلندل ونهيق الحمار؟»

فأجابه توماس قائلا: «حقا مولاي إني لا أستطيع الجواب، ولكنا إن أبعدنا عن دائرة الحديث بلندل، وهو رجل كريم المولد وذو صفات عالية بغير مراء، فإني من أجل صالح جلالتك لن أنظر إلى منشد إلا وكأني أنظر إلى حمار.»

فقال رتشارد: «أفما كان من أدب اللياقة أن تستثنيني، وأنا رجل كريم المولد كبلندل، وزميل مثله في نقابة المطربين؟»

فأجاب دي فو باسما وقال: «لتذكر جلالتك أنه من العبث أن تتطلب آداب اللياقة من حمار.»

فقال الملك: «لقد أصبت القول، وإنك لحيوان زري الهيئة. ولكن تعال هنا يا سيدي الحمار، واطرح عنك عبئك حتى تستطيع أن تأوي إلى مخدعك دون أن نضيع في سبيلك شيئا من الموسيقى. وأنت، أخي صاحب سولزبري، إلى أن ينتهي دي فو من ذلك، اذهب إلى فسطاط مليكتنا وقل لها إن بلندل قد أتانا وجعبته مفعمة بأحدث الأغاني، ومرها أن تأتي توا إلى هنا، وقم على حراستها، ولاحظ أن ابنة عمنا أديث بلانتاجنت لا تتخلف عن الحضور.»

ثم رنا النوبي هنيهة بنظره، وفي محياه معنى الشك والارتياب، الذي يبدو على ملامحه عادة حينما يرمقه.

وقال: «أوقد عاد رسولنا الصامت الكتوم؟ قف أيها العبد وراء ظهر دي نفيل، وسوف تطرق أذنيك عما قريب أنغام تحمد الله من أجلها على أنه قد أصابك بالبكم لا بالصمم.»

وما إن أتم حديثه حتى أشاح عن بقية الجماعة، وقصد دي فو، واسترسل معه في الحين عن دقائق الشئون العسكرية التي عرضها عليه هذا البارون.

Unknown page