Thawrat Islam Wa Batal Anbiya
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Genres
وأعطى عبد مناف السقاية والرفادة والقيادة، وهي بقية الأمور الستة التي كانت تميز بيت قصي، وقد نظمها قصي تنظيما حسنا، وقد اشتركت معه حبى في توزيع هذه السلطات بحكم مبدأ الكفالة وسلطة الأم، وقد أعطت أضعف الأولاد أعظم الوظائف، وتركت لعبد مناف - وهو الولد النابغ - الوظائف الثانوية؛ لأنها تريد أن تسوي الولدين.
وما زال هذا التقسيم محترما إلى آخر أيام قريش، وكان سادن الكعبة عند الفتح المحمدي في العام الثامن الهجري عثمان بن طلحة، وسادنها الآن السيدان عبد الله الشيبي ومحمد الشيبي، وقد زار أولهما مصر من عهد قريب. ومن أعمال قصي غير تأسيس الدولة وتقسيم مناصبها حفر الآبار وتعمير الديار، وقد أقر عبادة الأصنام وحول إساف ونائلة من الصفا والمروة فجعل أحدهما بلصق الكعبة وجعل الآخر في موضع زمزم وكان ينحر عندهما (وعندهما حاول عبد المطلب أن ينحر ولده عبد الله)، وكان الطائف بالبيت يبدأ بإساف فيستلمه
1
فإذا فرغ من طوافه ختم بنائلة؛ فهي من مناسك الحج في الجاهلية!
ووضع قصي نظام الحمس، ولفظ الحمس جمع مفرده الأحمسي، ومعناه ابن البلد وابن الحرم والوطني المقيم والذي ينتمي إلى الكعبة والمقام، فهو امتياز لأبناء الوطن وأهل الحرمة وولاة البيت وقطان مكة وساكنيها أشبه الأشياء بحق «حرية المدينة» الذي يمنح في بلاد الغرب للأضياف الشرفاء؛ تمييزا لهم، واعترافا بمكانتهم، كما أنه إظهار لشرف الانتساب إلى البلد الذي يمنح أهلوه ذاك اللقب، فقال المكيون المتميزون: «ليس لأحد من العرب حق كحقنا ولا منزلة كمنزلتنا.» وعلامة الأحمسي أن لا يعظم شيئا من الحل (أي الأرض التي وراء الحرم) كما يعظم الحرم، فإذا فعل ذلك استخفت العرب بحرمته، فترك الحمس الوقوف على عرفة لأنه خارج عن الحرم، والإفاضة منها، مع إقرارهم بأنها من مشاعر الحج، ويرون لسائر العرب أن يقفوا على عرفة وأن يفيضوا منها، إلا أنهم قالوا: «نحن أهل الحرم فلا ينبغي لنا أن نخرج من الحرمة ولا نعظم غيرها.»
فأظهروا بذلك شدة تعصبهم لبقعة من الأرض وترفعوا عن أن يخرجوا عنها ولو كان في خروجهم إتمام لمشاعر الحج. كما نرى بعض الملوك في وقتنا الحاضر لا يتركون عواصم ملكهم تعظيما للعواصم، وتفخيما لها، ومبالغة في هيبة الملك.
أقر قصي هذا التقليد في قريش وأدخل فيه كنانة وخزاعة، ومنحوا هذا الحق لمن ولدوا من العرب في الحرم، فاستحق الشرف بحق المولد كما استحقته قريش بحق الدم، والأصل، وفي القوانين الدولية الخاصة الحديثة من يكسب حق الوطنية بالدم، ومنهم من يكسبه بالميلاد في أرض الوطن، ومنهم من يناله بطول الإقامة، ففكرة الحمس إقرار لحق الوطنية بالانتساب للبقعة، وامتياز لمن له هذا الحق. وليس معنى الحمس التحمس في الدين كما في القاموس، ولا يرجع إلى ما بعد عام الفيل كما زعم ابن الأثير، بل شرع في عهد قصي، وكانت فكرة الحمس صائبة لأنها ترمي إلى إعزاز جانب أهل الحرم، وتضمن سلامة القاصدين إليهم، وتحجز ما بين الأعداء، وتشل أيدي المنتقمين والمتربصين؛ فنشأ حق الالتجاء من حق الحمس؛ فكان الرجل لو جر كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يقرب، وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام لم يتعرض له. وكان الرجل إذا أراد البيت العتيق تقلد قلادة من شعر فأحمته أي جعلته حمى لا يقرب.
ومن قواعد الحمس أنهم نهوا أهل الحل عن أن يأكلوا من طعام جاءوا به معهم من الحل إلى الحرم إذا جاءوا حجاجا أو عمارا، ولا يطوفوا بالبيت إذا قدموا أول طوافهم، إلا في ثياب الحمس يستعيرونها منهم للطواف بها، فإن لم يجدوا من يعيرهم طافوا بالبيت عراة؛ رجالا ونساء! وإن أنف منهم أحد أن يطوف عريانا إذا لم يجد ثياب الحمس فطاف في ثيابه التي جاء بها من الحل، ألقاها إذا فرغ من طوافه، وتسمى «اللقي» فلا يمسها أحد.
وجاءت امرأة يوما وكان لها جمال وهيئة حسنة فطلبت ثيابا عارية فلم تجد من يعيرها، فلم تجد بدا من أن تطوف عريانة! فنزعت ثيابها بباب المسجد ثم دخلته عريانة فوضعت يديها على موضع عفتها وقالت:
اليوم يبدو بعضه أو كله
Unknown page