Thawrat Islam Wa Batal Anbiya
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Genres
وكان قصي جليدا حازما بارعا واسع الحيلة قوي الإرادة أشبه الرجال بالأبطال الذين أسسوا المدن العظمى في التاريخ كأثينا ورومة ومنفيس وطيبة؛ وهي المدن التي صدرت عنها الحضارات القديمة، ولم تكن مكة بأقل شأنا من هذه العواصم بالنسبة لعرب الجاهلية.
ولا بد أن كانت لقصي كرامة ومكانة بلغهما بمواهبه وأخلاقه، وكانت نفسه ترمي إلى المجد والتسامي والصعود بهمته القعساء إلى ذروة العظمة المدنية. وما زال يدأب حتى تقرب من بيت الملك وتقدم إلى حليل، آخر ملوك خزاعة وسليل بيت عمرو بن لحي، فخطب إليه ابنته حبى. وقد رزقت حبى بنت حليل من قصي عددا من الأولاد، هم: عبد الدار، عبد مناف، عبد العزى، عبد بن قصي.
ولما مات حليل تركت حجابة الكعبة لقصي زوج ابنته، وكان قصي في آخر عمر حليل يعمل على حيازة البيت ووضع يده على مفتاحه؛ وهو الرمز المادي للسيادة والسدانة، ويعمل على قطع ذكر خزاعة عنه، فلما مات حليل نازعت خزاعة قصيا وأخذوا المفتاح من حبى بنت حليل، وشعر قصي بأن النزاع قد يؤدي إلى الحرب فاستغاث أهل أبيه من قريش وكنانة واستنجد رزاح بين ربيعة أخاه لأمه فأنجده ومعه إخوته من أبيه (ربيعة)؛ وهم: حسن، ومحمود، وجلهمة.
وكان فريق قصي مكونا من رجال من قريش وبني كنانة وأنصار من قضاعة، وكانوا في مجموعهم أقوى من خزاعة، وانتهى أمرهم بتحكيم يعمر بن عوف الكناني، فعقدت جلسة في فناء الكعبة غداة التحكيم فوقف الحكم يعمر بن عوف وقال: «ألا إني قد شدخت ما كان بينكم من دم تحت قدمي هاتين، فلا تباعة لأحد على أحد في دم، وإني قد حكمت لقصي بحجابة الكعبة وولاية أمر مكة دون خزاعة لما جعل له حليل، وأن يخلى بينه وبين ذلك، وأن لا تخرج خزاعة عن مساكنها من مكة.»
وقد نفذ الفريقان هذا الحكم لاحترامهم رأي قاضيهم.
ويندر وجود وثيقة بليغة كهذه تفصل في جميع نقاط النزاع بحكم مستعجل؛ فإنه حكم بالمقاصة في الدماء، فليس لفريق عند فريق دية ولا غرامة، وحكم لقصي بالحجابة والولاية؛ لأن حليلا كان أوصى بهما وأظهر رغبته قبل موته في ذلك فائتمنه وابنته حبى على مفتاح الكعبة، ولو أراد أن يجعل عليها رجلا من خزاعة لفعل، ثم أقر خزاعة في بيوتها، فإن نزع السلطة من أيديهم لا يستلزم أن يخرجوا من ديارهم!
فكان قصي أول رجل من بني كنانة أصاب ملكا وأطاع له به قومه؛ فكانت إليه السيادة وسمي مجمعا؛ لأنه جمع شمل قبيلة قريش وظهر فيهم وأظهرهم.
وقالوا إن التقرش معناه الاجتماع، وإن هذا الاسم لم يطلق على القبيلة قبل ظهور قصي.
وقيل إن قريشا سميت قريشا لأنها كانت تجارا تكتسب وتتجر وتحترش، فشبهت بحوت البحر الذي يأكل كل شيء في قول الشاعر:
وقريش هي التي تسكن البح
Unknown page