Thawrat Islam Wa Batal Anbiya
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Genres
4
إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما (سورة البقرة).
ولا بد لهذا الخبر ليكسب قوته التاريخية أن يحاط بأقوال وأفعال تحرك العواطف؛ فإن إبراهيم أمر الأم المهجورة وطفلها أن تتخذ عريشا، ثم انصرف، فتبعته هاجر وسألته: «آلله أمرك بهذا؟»
قال: «نعم.» وانصرف من يومه!
على أن سياق الخبر في كل التواريخ يدل أنه أطاع أمر سارة في الخروج، ولكن أمر الله مقصور على تخصيص محل المنفى لما سبق في علمه من اختيار هذا المكان المجدب لبناء البيت المكرم. وقد كان انبعاث الماء من زمزم بفعل خارق للطبيعة؛ بضربة من جناح الملك، أو بدقة من كعب إسماعيل. فدقة كعب الطفل للمصادفة، وجناح الملك للمعونة الإلهية، ولكن الكعب لم يذكر عبثا؛ فقد جعل البيت على صورة الكعب، وهو مكعب الشكل.
وقد يبدو هذا الفعل غريبا ومحزنا؛ فإن غيرة سارة لم تكن مبررا في نظر الرجل الخلي الذهن من عواقب الإعجاز السعيدة التي حدثت بعد النفي، وقد رأى أحد أئمة الإسلام أن يبين ذلك بجلاء؛ وهو الإمام أبو عبد الله محمد بن أبي بكر القرطبي في تفسيره؛ فقال: «لا يجوز لأحد أن يتعلق بهذا الحديث (أي قصة إبراهيم وهاجر وإسماعيل) في جواز طرح ولده وعياله بأرض مضيعة اتكالا على العزيز الرحيم، واقتداء بفعل إبراهيم الخليل؛ فإنه فعل ذلك بأمر الله تعالى.» وفي هذه العبارة الوجيزة إشارة دقيقة إلى نقد الأخبار الخاصة بقصة هاجر وسارة، وتوجيه صحيح إلى الرأي الخمير القائل بأن نزوح هاجر وولدها كان نوعا من الهجرة العربية في سبيل القوت، ومن ناحية إبراهيم هجرة إلى الله في سبيل التوحيد.
وما زالت الغيرة في قلب سارة إلى ما بعد المنفى؛ فإن إبراهيم استأذنها أن يزور هاجر وابنها فأذنت له على أن لا ينزل عندها.
وفي هذه الأثناء نزلت قبيلة جرهم بجوار عين الماء بعد الاستئذان من هاجر، وشب إسماعيل فعلموه اللغة العربية، وتكلم بلسانهم، وتزوج منهم، واختلط بهم؛ فسياق الخبر عن شباب إسماعيل وكلامه العربي ومصاهرة جرهم اقتضى تعليل زيارة إبراهيم. وأما أمر الله إبراهيم بذبح ولده فقد اختلفت العلماء في أن المأمور بذبحه إسماعيل أو إسحاق؛ لأن القرآن لم ينص على الاسم؛ فقال قوم هو إسحاق. وأيد هذا القول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. وقد كانت هذه الحادثة بداية الثورة على التضحية البشرية، فإن الله فدى الذبيح بكبش، وروى الأزرقي - وهو من ثقات المؤرخين القدامى في سرد أخبار مكة - أن قرني الكبش وجدا في الكعبة. فالبدل جاء من الله بمعجزة إلهية؛ وهي هبوط كبش من السماء بيد الملك.
أما فداء الضحية البشرية عند عرب قريش في تاريخ عبد الله بن عبد المطلب والد النبي
صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء على لسان الكاهنة التي أفتت بأن يكون مائة رأس من الإبل. وسيأتي خبره مفصلا.
Unknown page