Thawrat Islam Wa Batal Anbiya
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Genres
وبالمقارنة اللفظية التي نهض بها بروكلمان في اللغات السامية ثبت أن جميع اللغات السامية الداخلة في مجموعة واحدة هي لهجات متقاربة جدا ترجع إلى لغة واحدة أولى؛ هي أم هذه اللهجات، وأن جميع الشعوب التي تتكلم بها هي فروع جنس واحد يرجع إلى جماعة سامية أولى؛ هي أصل هذه الفروع، وأن الأمة العربية قديما وحديثا هي الجنس السامي بأكمله، ومنزلة جميع الوحدات السامية من العرب منزلة الشعوب المتفرعة عن أمة واحدة مع دوام اتصال الفرع بالأصل واستمرار المرد من الأصل إلى الفرع، ومنزلة اللهجات السامية من اللغة العربية منزلة الفروع الدانية من الأصل.
أهمية علم اللغات وعلم الأجناس في تدوين السيرة المحمدية
وصل علم اللغات (فيلولوجيا) - بعد أن درس جميع أساتذته اللغات الإنسانية وحصروها وقسموها إلى مجموعات كبرى - إلى غاية علمية حاسمة في تاريخ الإنسان، وهذه الغاية العلمية الثابتة غيرت مجرى التاريخ القديم وشقت له طريقا جديدا، وحولت المؤرخين والباحثين من الاتكال على المنقول من الأساطير والمروي بالتواتر على الألسنة من الأجداد إلى الأحفاد، ومن الأسلاف إلى الأخلاف، مقصورا في أحكامه النهائية ونتائجه الحاسمة القاطعة على الآثار المادية القائمة المشاهدة للعيان، والنقوش المحفورة والتماثيل المنحوتة والوثائق المسلم بها والتحف المحفوظة، والعاديات التي ترجع إلى العصور القديمة وما يماثلها. وقد اعتبرت هذه المصادر المادية مراجع تاريخية غير مشكوك فيها. ومن هنا انشقت الطرائق فاتجهت الثقافة العلمية اتجاها جديدا وفرقت - بعد جهود جبارة - بين الأمور الثابتة التي لا تقبل الشك لأن الأدلة المادية تؤيدها، وبين الأخبار المروية والمنقولة على لسان السلف من الخلف وموروثة بالتواتر.
ولكن ذلك التاريخ المروي أو الوارد في صورة أساطير، وهو الذي خلا من الأسانيد المادية والوثائق الرسمية ، وكان خلاصته الرواية أو الأساطير؛ ليس محلا للطعن فيه أو رفضه برمته إلا إذا ظهرت أدلة أثرية ونتائج علمية وبحوث دقيقة بعدم صحته، وإلا فيبقى الحكم عليه للمستقبل وما ينتظر أن تأتي به جهود العلماء من ثمار البحث والتنقيب والحفر، أو النظر الطبيعي بما يؤيده أو يقضي عليه.
وإذن تكون الثقافة الحديثة تحترم الواقع وتعتمد عليه، ولكنها لا تهمل المروي والموروث، ولا تنكر ما له من أثر نافع في البحث التاريخي.
لقد وصل علماء اللغات بجهود عنيفة وقوة جبارة وصبر الأبطال ومثابرة لا يتطرق إليها اليأس إلى معرفة العاديات (أركيولوجيا) وحل رموز النقوش والخطوط القديمة، ومن أبطال هذه العلوم شامبليون ورينان وفلندر زبتري وماسبرو وماربيت؛ فقرءوا الخطوط القديمة وعرفوا لغاتها، فارتكزوا في نتائج أعمالهم على الآثار والوثائق المدونة والمخطوطات القديمة.
وكانت نتيجة هذه البحوث أن أهم مجموعات اللغات لا يعدو المجموعتين السامية والآرية، وأن أقوى الأجناس البشرية وأفضلها ينحصر في الجنسين: السامي والآري، وإليهما ترجع الحضارة الإنسانية والمدنية العامة، ولغاتهما هي ديوان هذه المدنية وتلك الحضارة، وإليهما يرجع السلطان الأكبر في قيادة الأمم.
والجنس السامي أقدم في كل ذلك عهدا وأبعد أثرا في أزمان طويلة من الجنس الآري، وقد بدأت المدنية الإنسانية العامة في بلاد النيل، والعنصر السائد فيها هو السامي، ومدت مصر نفوذها في أول أدوار التاريخ الإنساني على كثير من بلاد العالم القريبة والبعيدة.
وبعد ذلك ظهر البابليون وتحضروا بالحضارة السومارية الأكادية وبمدنية مصر، ومدوا نفوذهم على كثير من البلاد المجاورة.
ثم نهض الآشوريون - وهم ساميون أيضا - وزاحموا بابل واستولوا على بلادها، وامتد سلطان آشور من إيران إلى البحر الأبيض ومصر، وهذا هو الدور الأول للشعب السامي. ثم انتقلت السلطة العالمية، وتحولت القوة الحربية والقدرة السياسية إلى بلاد فارس - وهي أمة آرية - فحاربت اليونان حروبا حاسمة، وبعدها انتقل النفوذ والسلطان إلى اليونان - وهي أمية آرية - وعلى أنقاض دولة الإغريق قامت دولة الرومان - وهي من الجنس الآري - فانتهت هذه الدورة الثانية من حياة الإنسانية بانتقال القوة من شعوب الجنس الآري إلى الجنس السامي من جديد.
Unknown page