Tarjama Fi Calam Carabi
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
Genres
ولكن حركة الترجمة بمعناها الحقيقي كتيار اجتماعي نشط في مجال ترجمة علوم الغرب بغية تحديث المجتمع، قد بدأت في مصر منذ أن تولى محمد علي السلطة، ورأى أن سبيله للاستقلال بمصر تحديث جيشها ضمانا لمواجهة السلطان التركي. وعني محمد علي بإرسال البعوث إلى أوروبا لتلقي العلم ونقل العلوم إلى العربية. ويعتبر الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي بحق إمام التنوير والعلمانية؛ إذ جعل الترجمة مؤسسة اجتماعية تعمل على تنفيذ مشروع قومي اجتماعي لتحقيق نهضة في العلوم والصناعات. ويعبر تاريخ الترجمة في مصر عن حالة المد أو الانحسار للحياة الثقافية المجتمع المصري، بل للمجتمعات العربية في سعيها من أجل الاستقلال والاندماج في حضارة العصر. وقد ساهمت الترجمة من بداية تاريخها في بلورة الاتجاهات الأساسية لحركة النهضة. وساعد على هذا ترجمة تيارات الفكر ومناهج البحث؛ مما ساعد على علمية التوجه ومناقشة الفكر الاجتماعي، ورسم خطوات النهضة والارتقاء بالحوار، والاطلاع على إنجازات العلوم ومناهج بحثها. وانعكس هذا كله على صفوة المثقفين وعلى حركة التثقيف العام للجميع.
بدأ تاريخ الترجمة في العصر الحديث للعالم العربي انطلاقا من هذين المركزين؛ مصر ولبنان، مع اختلاف الحوافز والدوافع والمسار والفعالية الاجتماعية في كل منهما. وتعثر نشاط الترجمة أو انحسر بعدما أصابت النهضة انتكاسة؛ بسبب الدور الاستعماري الأوروبي والنظم الاستبدادية الأوتوقراطية من الداخل. ولكنها لم تنعدم وإن تغير مضمونها ومدى تشابكها في النسيج الاجتماعي. وإذا حاولنا أن نجري دراسة وثائقية تحليلية لنشاط الترجمة كما وكيفا في البلدان العربية خلال الحقبة الحديثة والراهنة، سنجد أن ذلك يكاد يكون ضربا من المحال.
وهنا ننتقل إلى الوضع العربي الراهن للترجمة في دور الدراسة الاستقصائية على أساس من المسح الميداني. وقد لاحظنا ما يلي:
إن أكثر البلدان العربية حديثة عهد بنشاط إصدار الكتب، ناهيك عن الترجمة، بل إن بعض البلدان لا نجد لها اسما على خريطة صناعة الكتاب تأليفا وترجمة في الإحصاءات الدولية. ويبدو كأن غالبية البلدان العربية تعيش عصر الثقافة الشفاهية.
الترجمة ترف فردي في أغلب الأحيان، وجهد متباين التوجهات، مما يعكس غياب رؤية عربية عامة تعي مقومات العصر ومقتضياته وتحدياته؛ عصر ثورة معلوماتية إنتاجا إبداعيا وتوظيفيا، وعصر إبداع علمي وتكنولوجي، والتزام بمنهج تفكير علمي.
الكتاب المترجم لا يصل إلى أكثر من 5٪ من إجمالي المنشور على المستوى العربي، في ضوء الإحصاء لعدد من دور النشر، وقد يصل إلى صفر بالمائة بالنسبة للكتب العلمية المتعلقة بعلوم العصر الأساسية. والكتاب المترجم على المستوى الحضاري متعدد أو متنافر الاتجاهات والمستويات، لا يكشف عن توجه مجتمعي غالب في اتجاه العصر، وإنما كتاب يربطنا بل ويحصرنا في ماض سلفي على أساس أيديولوجي وقطيعة حضارية مع العصر، أو كتاب يربطنا بالعصر على أساس أن العصر عصر أعاجيب ومعجزات، أو كتاب معرفة استهلاكية، والقليل النادر الذي يصوغ ذهنية علمية إبداعية للإنسان، ويحدثنا عن العصر منهج فكر ونظريات، ويضعنا في إطار معرفي/قيمي لحضارة العصر على نحو يحفزنا إلى البحث، ثم إن هذا الكتاب نراه متعثرا في طريقه إلى القارئ العربي كأنه غريب في بلد غريب. وحظه من توصيل المعرفة لا يتجاوز حدود الدهشة؛ إذ يتلقاه القارئ على نحو ما يتلقى إعجازات الغيب، التي لا تأخذ سمة التحدي الدافع إلى التطبيق.
الترجمة جهد فردي، وعلى الرغم من محدوديتها فإنها تتم بدون تخطيط، وإنما انتقائية فردية على مستوى المترجم أو الناشر.
الملاحظ أن ثمة حاجزا فاصلا كثيفا بين بلدان ومثقفي العالم العربي وبين إصدارات العالم المتقدم دون أي محاولة مجتمعية منظمة لكسر هذا الحاجز أو زيادة درجة شفافيته، وصولا إلى تضييق الهوة المعرفية العلمية بيننا وبين العالم المتقدم؛ الأمر الذي يجعل من الضروري ضرورة مطلقة، سرعة بذل الجهد في هذا الاتجاه من خلال مشروع «مؤسسة عربية للترجمة».
من أخطر الظواهر أن القدر الأكبر من الترجمات الصادرة عن دور النشر هي ترجمات لحساب هيئات ومراكز رسمية؛ أي دبلوماسية أجنبية (مركز الكتاب الأمريكي، البعثات الفرنسية، مؤسسات فولبرايت ... إلخ)، مما يعني غياب الرؤية والمصلحة القومية.
لا توجد إحصاءات ببليوجرافية شاملة ودقيقة عن واقع الترجمة خلال القرنين 19 و20، تكون أساسا للتحليل وتحديد رؤيتنا، وإذا أخذنا مصر كمثال باعتبارها الرائدة والأكثر كثافة من حيث الإنتاج، نجد بين أيدينا «دليل الكتاب المصري»، وهو قوائم الكتب المتاحة لدى الهيئة العامة للكتاب كجهة إحصاء، باعتبار أنها الجهة الرسمية التي يودع لديها الناشرون إصداراتهم.
Unknown page