Tarikh Qarsana
تاريخ القرصنة في العالم
Genres
كانت الصعوبة تتمثل في أن شرطة الموانئ في كل من شنغهاي، وهونج كونج، وسنغافورة تقوم بتفتيش أمتعة الركاب الصينيين بدقة متناهية، غير أن الأمر كان مختلفا تماما في الموانئ الصغيرة التي يزدحم مئات الصينيين فيها فوق حواجز الأمواج وأرصفة الموانئ، حيث يصعب تماما تفتيش كل صرة؛ ولهذا فإنه بتطور أعمال القرصنة ضد السفن التي كانت تحمل عددا كبيرا من المسافرين الصينيين، جرى استئجار الخفراء المسلحين، وعمل أصحاب السفن على فصل غرف مختلف الدرجات بعضها عن بعض بحواجز، حتى يصعب التنقل بين أجزاء السفينة.
هاكم نموذجا لهجوم القراصنة الصينيين على السفن في فترة ما بين الحربين:
1 «تصوروا المشهد التالي، غروب الشمس، سفينة تبحر بصعوبة بمحاذاة الشاطئ مجتازة للرياح الموسمية الجنوبية الشرقية العاصفة، الحر خانق في عنابر المقدمة والمؤخرة، حيث تنزل جمهرة من الرجال والنساء والأطفال يجلسون فوق أمتعتهم، البعض منهمك في إعداد الطعام، والبعض الآخر مشغول في أخذ زينته، بينما تحلق آخرون في جماعات، من الممكن مشاهدة الركاب - سواء في أيام الصحو أو في أوقات القيظ - وقد افترشوا الأرش شبه عراة أسفل قوارب النجاة بامتداد جانب السفينة، وعلى السطح العلوي عدد من ركاب الدرجة الأولى: إنجليز، وصينيون، هنا توجد كذلك غرف طاقم القيادة وبرج القبطان.
الآن وقت الغذاء، كبار القادة وأصحاب الرتب الكبيرة في الطاقم يجلسون في غرفة الطعام بدون أسلحتهم، فجأة تعطى إشارة ما - قد تكون مجرد إشعال سيجارة - وعلى الفور يدوي نداء مرتفع: «ارفعوا أيديكم!» تنعقد ألسنة الموجودين من الدهشة وقد بوغتوا، ثم تتجه نظراتهم إلى الرشاشات الموجهة إليهم في أيدي الحمالين والتجار والبحارة. يسلم الجميع سلاحه تبعا لدوره، يتم إبلاغ كل الذين تم حبسهم في الغرف، أو في الصالونات، بأن أي مقاومات مهما بدت صغيرة جزاؤها الموت. يتكرر المشهد ذاته في برج القبطان، وفي حجرة عامل اللاسلكي، وفي قسم الماكينات، أمر مباغت مع توجيه المسدس إلى الوجه، ثم استسلام لا مناص عنه، يلي ذلك أمر «مهذب» بالتوجه إلى خليج بياس، بحيث يكون الوصول إليها في تمام السادسة والنصف صباحا، لن يصاب أحد بضرر طالما لم تجر أية محاولة لاستعادة السفينة ... بعد هذا يبدأ نهب السفينة بالاستيلاء على الأشياء الثمينة والملابس الغالية بانتزاعها من فوق أجساد أصحابها الذين ينتابهم الهلع الشديد.
تتخذ السفينة مسارها في الظلام الدامس، وقد تم إخماد المشاعل المميزة، وكذلك الإضاءة بالغرف نحو خليج بياس، أحد أكثر الخلجان غموضا على الشاطئ الصيني، حيث المياه فسيحة وغير عميقة وتحيطها الهضاب الرملية. من البحر يمكن مشاهدة عدد قليل من القرى الصينية الصغيرة، وزوج من جونكات الصيادين، وجميعها تترك في النفس إحساسا بالهدوء والسكينة، ولكن ما إن تدخل السفينة التي اغتصبها القراصنة إلى الخليج، حتى يهرع لاستقبالها أسطول كبير من قوارب الجونكات، يرسل راكبوه الغلاظ ذوو الوجوه العابسة اللامبالية بالتحية إلى القراصنة، ثم سرعان ما يشرعون في عملهم بتفريغ السفينة من حمولتها على وجه السرعة، بل ويأخذون أيضا أجهزة الكرونومتر، وآلة السدس التي تستخدم لقياس ارتفاع الأجرام السماوية، وكذلك ينتزعون الأجزاء النحاسية الكبيرة، وكثيرا ما تحدث وقائع مفجعة؛ إذ يتم اقتياد الآباء والأمهات تحت تهديد المسدسات إلى داخل البلاد في اتجاه الجبال، حيث يرغمون على القيام بالأعمال الشاقة، وهؤلاء قد يقضى عليهم بالموت من الجوع والإجهاد في انتظار الفدية. أخيرا تصل السفينة بصعوبة، وفي أسوأ حال إلى هونج كونج، حيث تتولى الشرطة الأمر، فيتم عمل جرد للخسائر التي حدثت من جراء السرقة، على أنه بمرور الوقت يتوقف الرأي العام عن الاهتمام بالقضية برمتها.»
نادرا ما كان القراصنة يتعاملون بمثل هذا «التسامح» مع ضحاياهم، فكثيرا ما كانوا يعملون الذبح في الحراس الهنود، فعندما تعرضت السفينة «سولفيكن» للهجوم قتل قبطانها باستوف، لمجرد أنه تأخر في فتح باب غرفته، وعلى السفينة «أنكينج» قام القراصنة بإطلاق الرصاص على ضابط الحرس، وعلى ضابط صف السفينة، وأصابوا القبطان بجراح بالغة.
تعد حادثة السفينة «سانينامخا» من الحوادث المشهورة، فقد حاول ما يقرب من ثلاثين قرصانا الاستيلاء عليها، عندما كانت موجودة على مسافة لا تبعد عن ميناء بيخاي خمس عشرة دقيقة، إذ نجح القبطان ج. سبارك في الوصول إلى غرفة القيادة. وهناك استطاع ببندقيته الآلية أن يقاتل بشجاعة القراصنة، الذين اتضح أنهم ليسوا محترفين في أعمال السرقة، وقد اضطروا للهروب من جراء خدعة بسيطة، قام بها القبطان سبارك، الذي أعطى أربع إشارات صوتية، أخذ بعدها في تغيير مسار السفينة؛ فقد ظن اللصوص أن القبطان لا بد وأنه شاهد سفينة خفر السواحل، فأخذوا يقفزون إلى البحر.
بعد عام 1923م جرى تسجيل نمو ملحوظ لنشاط القرصنة في المياه الصينية، ففي عام 1924م وحده أربعة عشر هجوما، وفي عام 1925م وقع سبعة عشر. أما في السنوات التي تلت ذلك فقد قلت هجمات القراصنة، ثم أخذت في التلاشي، حتى كادت تصبح من الأمور النادرة. على أنه، وحتى الآن، ما تزال تقع هنا أو هناك أحداث متفرقة من النهب البحري. في نهاية عام 1952م على سبيل المثال تم القبض على سفينته تمتلكها عصابة من لصوص البحر، يرأسها أمريكي يدعى س . بيل.
وفي السادس من أكتوبر عام 1965م قام ما يقرب من مائة قرصان يجرون على ظهر ستة قوارب من نوع الباركة تحمل علم الفلبين بمهاجمة السفينة اليونانية «إيكوس»، وتبلغ حمولتها سبعة آلاف طن في مياه جنوب شرقي آسيا، وكانت تحمل شحنة من لب جوز الهند المجفف من الفلبين في طريقها إلى أوروبا. وقد نجح ثلاثة من البحارة في الهرب بواسطة أحد قوارب النجاة، وأبلغوا عن حادث الهجوم، وعلى الفور قامت السلطات بمطاردة القراصنة.
في مايو 1968م قام خمسة وعشرون قرصانا على ظهر زورقين بمهاجمة مركب من نوع البراو، يحمل اسم «لورد» عليه عدد من الركاب، كانوا قد غادروا لتوهم ميناء زامبوانج الذي يبعد تسعمائة كيلومتر جنوب مانيلا في جزر الفلبين. دخل القراصنة المسلحون على نحو جيد في معركة مع طاقم المركب، وأثاروا الرعب في قلوب ركابه المائتين، ونجحوا في الاستيلاء على مائتي ألف بيسو (حوالي ستين ألف دولار)، وقد قتل في هذا الاشتباك أحد الركاب الذين أبدوا مقاومة، بينما التهمت أسماك القرش ثلاثة آخرين، قفزوا من الماء محاولين الوصول إلى الشاطئ سباحة.
Unknown page