Tarikh Qarsana
تاريخ القرصنة في العالم
Genres
وكان أول ما فعله صاحب السفينة الجديدة أن نزل إلى العنبر، ليتأكد مما تحويه الصناديق الكبيرة. ولقد كان الضابط الشاب على حق، إلا أن روبرتسون لم يكن يرغب في تقسيم الذهب بينه وبين شركائه، وإنما قرر أن يماطل في تقسيم الغنيمة، عندما أصبحت السفينة على مسافة من ليما، واتضح أن مخزون الماء العذب قد بدأ ينفد، فعهد روبرتسون إلى اثنين من الأيرلنديين هما: وليمز، وجورج بالتوجه إلى الشاطئ لإحضار الماء، على أنهما رفضا الانصياع للأمر - ومثلهم مثل الباقين - خوفا من أن يبحر رفاقهم ويتركوهم، ومن ثم فقد قرروا أن يتركوا شخصا واحدا يقوم بحراسة صناديق الذهب، وأن يذهب الجميع للحصول على الماء. كان لهذا الأمر أثره في إقناع روبرتسون بأن إخضاع مرءوسيه لقيادته أصبح أمرا بالغ الصعوبة، لا سيما أنهم أصبحوا شركاء، على أنه لم يفقد الأمل، واستمر يسوف في تقسيمه الغنيمة.
وأخيرا استدعى روبرتسون الجميع إلى سطح السفينة لاتخاذ قرار بشأن ما يجب عمله مستقبلا، كان البحارة الذين عاشوا من قبل فاقة
2
شديدة متعطشين للحياة الرغدة التي سيوفرها لهم ما سرقوه من ذهب، ولقد تخيلوا أن إقامة الجنة على الأرض أمر بالغ البساطة؛ نساء حسناوات، وبحر من الخمر، لعل من الممكن أن تتحقق هذه الحياة في إحدى الجزر النائية الخالية من البشر من جزر بحار الجنوب، ولقد تقرر الهجوم على تاهيتي للحصول على الروم والنساء، ثم الاستقرار في إحدى جزر ماريان.
وكان روبرتسون يعي جيدا أنه لن ينجح في أن يخدع العصابة بأكملها، عندئذ قرر التآمر بالاشتراك معه وليمز وجورج، أسفرت حسابات المتآمرين الدقيقة على أن قيادة السفينة تستلزم ستة أشخاص على الأقل، ونجحت مساعيهم في إقناع أربعة من الرفاق بضرورة التخلص من الثمانية الباقين. كان اقتراح روبرتسون يتلخص في إلقائهم ببساطة في البحر، لكن المتآمرين اعترضوا بشدة على ذلك، لتعارضه مع أخلاقياتهم، لكنهم رأوا أن يضعوهم في قارب، ثم يلقوا بهم في عرض المحيط، وهو قرار يعادل في مضمونه حكم الإعدام سواء بسواء، لكن بفضل الاتفاق الغريب للظروف، فقد عثرت سفينة عابرة على القارب، وكان بداخله جثث سبعة رجال وبحار منهك. وصلت السفينة إلى جزر هاواي، وهناك قص عليهم البحار التعس كل المصائب التي مرت بهم، وأخبرهم بالكثير من التفاصيل المتعلقة بما اقترفه روبرتسون من أعمال.
حدث هذا بينما اللصوص الذين بقوا أحياء يواصلون إبحارهم على صفحة المحيط الهادي؛ بحثا عن جزيرة الجنة، أما الذهب فكان راقدا في قاع السفينة في الصناديق المغلقة إلى جوار براميل النبيذ الضخمة، وفي أعلى كانت النسوة اللاتي تم اختطافهن من تاهيتي، يتذكرن ما حدث أمامهن من إلقاء الثمانية في قارب إلى مصير مجهول في عرض المحيط، دون أن يفقهوا كلمة مما يقوله القراصنة، فيما بعد أخذن يجتمعن معا، ثم يأخذن في التهامس. عندئذ نجح روبرتسون الذي كان جنون الملاحقة قد أهاجه في إقناع الآخرين أن هؤلاء النسوة يتآمرن عليهم، وأنه ينبغي التخلص منهن، على أن القتل الجماعي للنساء قد قطع ما تبقى من روابط الثقة الواهية بين أفراد العصابة بعضهم ببعض.
مرة أخرى جرى اجتماع تقرر فيه تأجيل تقسيم الكنز، بل وانتهى الأمر إلى إخفائه في جزيرة جريجان، بعد أن أخذوا منه عشرين ألف قرش ذهبي فقط، وهذه كان قد تم العثور عليها قبل ذلك في قمرة القبطان، كان المفروض أن يكفيهم هذا المبلغ كحصيلة لبيع السفينة في أحد موانئ الفلبين، وذلك حتى موعد التقسيم النهائي للغنيمة.
وافق روبرتسون عن طيب خاطر على هذه المقترحات، ظنا منه أنه بهذا يستطيع أن يستفيد من الوقت، إلى حين أن يتسنى له التخلص من شركائه. على أن هؤلاء لم يكونوا يكنون لزعيمهم أدنى قدر من الثقة، فأخذوا يتناوبون الحراسة ليلا فيما بينهم. على أية حال لم يكن من وراء عملهم هذا أي طائل؛ فقد نجح روبرتسون مرة أخرى في إقناع وليمز وجورج بضرورة التخلص من الطامعين في تقسيم الكنز معهم. وعندما دخلت السفينة إلى ميناء جزيرة فاو، استطاع المتآمرون غدرا أن يجردوا رفاقهم الأربعة من أسلحتهم، ثم زجوا بهم في عنبر السفينة بعد أن أحكموا وثاقهم. بعدها أخذوا في إغراق السفينة، وغادروها على زورق من زوارق النجاة، ومعهم العشرون ألف قرش الذهبية، وعندما التقطتهم إحدى السفن الشراعية، ادعى القراصنة أنهم ضحايا إحدى السفن الغارقة، وسرعان ما وصلوا إلى ريودي جانيرو.
وذات يوم إذ بجورج بطريقة ما يخسر في لعب الورق جزءا من المال المخصص لشراء سفينة. كان القراصنة قد خططوا أن تحملهم إلى جريجان، وعندما قص جورج ذلك على روبرتسون اشتاط الأخير غضبا، فما كان إلا أن أطلق الرصاص عليه، ليرديه قتيلا. أبحر من تبقى من الشركاء الأحياء على ظهر إحدى السفن إلى سيدني بأستراليا.
وأصبح واضحا للقرصانين أن كلا منهما سوف يسعى للتخلص من صاحبه، وعلى هذا فقد قرر كل واحد أن يراقب الآخر بكل حيطة وانتباه. كان موقف وليمز في هذا الصدد ضعيفا؛ إذ كان بحارا رديئا، بالإضافة إلى هذا ظل روبرتسون يحتفظ طوال الوقت بالإحداثيات الجغرافية الدقيقة لجزيرة جريجان التي لم يكن وليمز يعرف حتى اسمها.
Unknown page