Tarikh Napoleon Bonaparte
تاريخ نابوليون بونابرت: ١٧٦٩–١٨٢١
Genres
فأجابه الخليفة: «إن الخليفة الأعظم لم يعترف ولن يعترف بسلطة فوق سلطته ... فإمبراطور روما غير موجود، ومن واجب نائب الله أن يحافظ على السلام مع الجميع من غير أن يفرق بين كاثوليكي وهرطوقي.»
حاول سفير نابوليون أن يقنع الخليفة بأن لهجته هذه لا تجديه نفعا سوى أنها تسبب لروما نكبة شديد. فبقي البابا مصرا على عزمه، وقال للسفير الفرنسي: «إذا نزعوا مني حياتي فإن قبري ليشرفني، وينتصر لي الله في السماء والتاريخ على الأرض ... وإذا نفذ الإمبراطور تهديداته وأبى أن يعترف بي كأمير ذي سلطان؛ فإني لأرفض أن أعترف به كإمبراطور.» كان الخليفة يظن أن لعنة تسقط من فمه تكون شؤما على نابوليون. قال: «إن الاضطهاد يورث الانشقاق وهو الطريقة الوحيدة لإنقاذ الكنيسة.»
إلا أن القوة الأدبية، التي كان البابا يتمسك بها، لم تستطع أن تعيد إلى روما سلطانها القديم؛ لأن الشعوب جميعها نزعت عن الرضوخ والطاعة. فبعد أن سادت روما على الملوك في سبيل الشعوب المسيحية، أنفقت والملوك على الشعوب ساعة خلع الرقي ثوب الكاهن ليرتدي وشاح الفلسفة. أجل، عدلت القوى الفاتيكانية عن القيام ضد المظالم الإقطاعية وصوبت إلى العقل المتمرد والروح النزوعة، وحصل الاتفاق بين التاجين الملكي والباباوي من غير ما نظر إلى المعتقدات الدينية.
لقد حلا للبابا بيوس السابع أن يرتفع إلى كبرياء الفاتيكان، تلك الكبرياء التقليدية، وأن يظهر من أعالي الكيرينال صواعقه المنطفئة. إلا أنه كان يعلم أنه لم يبق يستطيع أن يحرك إلا بعض النفوس المنزوية في أعماق الأديرة والمعابد. ومع كل ذلك، تظاهر باستعداده لاستقبال عدوه القاهر في قصر الفاتيكان من غير أن يترك حسام غريغوريوس السابع وسكست الخامس. قال: «إن قصر الفاتيكان ليتشرف باستقبال جلالتكم وحاشيتها.» ولكن الإمبراطور لم يستطع أن يقوم بهذه الرحلة، التي كان قد أعلنها إلى البابا؛ لأن مسائل البورتغال وإسبانيا أبقته في باريس ليعد العدة لاجتياز البيرينه . إلا أن المفاوضات بقيت مستمرة بين نابوليون والسدة الرسولية من غير أن تفضي إلى نتيجة حسنة، وما كان سخط البابا على نابوليون إلا ليزداد من يوم إلى يوم. أما نابوليون فأصر إصرارا تاما على رفض مطاليب الخليفة، وعزم أن يدفع الجيوش الفرنسية إلى احتلال الولايات الرومانية، إلا أن البابا قد حزر ذلك فقال للمفاوض الفرنسي: «إننا لن نقف في وجه الجنود، ولن أدع سبيلا لإطلاق بندقية، ولكن يجب على قائدك أن يحطم الأبواب حتى تضطر الكتائب أن تمر على جثتي؛ إذ إنني أكون بنفسي على أبواب المدينة، عند هذا يعلم الخلق جميعهم أن الإمبراطور رفس برجله ذلك الذي «كرسه» والله العلي يكمل الباقي.»
وما هي إلا أيام قلائل حتى احتلت روما احتلالا عسكريا، فلقد زحف إليها بعض الكتائب التي أتيح لها أن تقبض على ناصية مدينة قيض لها مرتين أن تسود على العالم. وهكذا احتجبت مليكة الأمم، فلم تبق روح العصر القديم لتستطيع أن تسهر في الكابيتول، وحشرجت روح القرون الوسطى في أعماق الفاتيكان.
إن هذا الانقلاب، الذي لم يكن أقل عظمة من انقلاب بابل، أكمل انتصار الثورة الفرنسية فأتيح للروح العصرية أن تؤيد سلطتها في العالم وتضع حدا نهائيا للعظمة الرومانية، من غير أن تثير اعتراض الشعوب المسيحية وملوكها أو تدق في العالم الكاثوليكي أجراس حرب صليبية أخرى. أما البابا فلم يشأ أن يبقى ساكنا لدى هذا الانقلاب، فأطلق على الإمبراطور حرما علنيا جاء فيه: «باسم الله العلي العظيم، والرسولين بطرس وبولس، وباسمنا نحن نصرح بأنكم استحققتم الحرم أنتم وجميع حاشيتكم استنادا إلى الجرم الفظيع الذي اقترفتموه.»
كان نابوليون في فيينا تحف به أكاليل أكموهل وراتيسبون عندما علم بنشر هذا الحرم، فعزم أن يطلب من الخليفة حالا أن تنضم أراضي الفاتيكان إلى الإمبراطورية الفرنسية، وإذا حاول أن يرفض ذلك يضطره إلى أخذه أسيرا، وعهد إلى الجنرال راده بأن يقوم بهذه المهمة الشاقة. في ليل اليوم الخامس من شهر تموز 1809 وصل الجنرال راده إلى قصر الكيرينال وألح على الخليفة بأن ينزل عند طلب الإمبراطور، لئلا يؤدي رفضه إلى عاقبة وخيمة، فأجابه البابا: «لا أستطيع ولا أريد. فلقد وعدت الله أن أحفظ للكنيسة جميع ممتلكاتها ولن أخلف بوعدي ما زلت حيا!» فقال الجنرال: «إنني آسف أيها الأب الأقدس أن ترفض قداستك النزول عند هذا الطلب؛ إذ إن هذا الرفض إنما يعرض قداستك لسوء.» فقال البابا: «لقد قلت؛ وما من شيء على الأرض يستطيع أن يحولني عن عزمي، تراني مستعدا لهرق آخر نقطة من دمي قبل أن أحنث باليمين التي أعطيتها لله.» فقال الجنرال: «بما أن عزمكم هو هذا؛ فإني آسف أن أنفذ الأوامر التي أعطيتها.» فقال البابا: «حقا يا ولدي إن هذه الأوامر لا تمنحكم بركات السماء.» فقال الجنرال: «أيها الأب الأقدس، يجب أن أصحب قداستكم.» فقال البابا: «هذه هي المكافأة التي استحققتها جزاء ما صنعت يدي لإمبراطورك! ولكن قد أكون مخطئا أمام الله فيريد أن يعاقبني وإني لراضخ بكل تواضع.» فقال الجنرال: «إني أقوم بما عهد إلي، وأراني آسفا على تنفيذه لأني كاثوليكي وولد قداستك.» عند هذا سأله الكردينال بكا: «أيستطيع الأب الأقدس أن يصحب معه من يشاء؟» فأجابه الجنرال إنه تبعا لأوامر الإمبراطور لا يحق لأحد أن يكون بمعية البابا إلا نيافته. فاستطرد الكردينال قائلا: «كم هي المدة المعطاة لنا للتأهب؟» فقال الجنرال: «نصف ساعة.» عند هذا نهض الخليفة ولم يتلفظ بسوى هذه العبارة: «فلنذهب ولتكن معنا مشيئة الله.»
كانت مركبة تنتظر البابا على باب القصر، فصعدها بيوس السابع والكردينال بكا وجلس الجنرال راده أمامهما. وبعد فترة وصلت المركبة إلى الباب الخارجي، فترجل الجنرال راده، وألح على البابا مرة أخرى أن يرتدع عن إصراره، فلم يجبه الخليفة بسوى هذه الكلمة الجافة: لا! وكان هناك مركبة أخرى صعدها البابا والكردينال، وما هي إلا مدة قصيرة حتى كانت المركبة خارج روما على طريق فلورنسا.
قال السيد ده بوريين: «بقي الخليفة المسكين يتيه من مدينة إلى مدينة؛ فإن إليزه أرسلته من فرنسا إلى تورين، ومن تورين أرسله أمير بورغيز إلى داخلية فرنسا ، حتى أرسله نابوليون إلى سافون. إلا أن هذا الحادث، وإن كان أليما؛ فإنه لم يبشر بغضب السماء على نابوليون؛ إذ إنه في الليلة نفسها التي أسر فيها البابا ربح الفرنسيون معركة وكرام.»
بينما كانت المفاوضات في سبيل السلم جارية بين نابوليون والنمسا، أرسل نابوليون من قصر شنبرن الإمبراطوري إلى الجنرال ميوللي، الحاكم العسكري في روما، أمرا بتنفيذ المرسوم القاضي بضم الولايات الباباوية إلى الإمبراطورية الفرنسية.
Unknown page