Tarikh Misr Hadith
تاريخ مصر الحديث: من الفتح الإسلامي إلى الآن مع فذلكة في تاريخ مصر القديم
Genres
فحمل جميع ما فيه إلى صلاح الدين، وكان من كثرته يخرج عن الإحصاء، وفيه من الأعلاق النفيسة والأشياء الغريبة ما تخلو الدنيا عن مثله، ومن الجواهر التي لم توجد عند غيرهم؛ فمنه الحبل الياقوت وزنه سبعة عشر درهما أو سبعة عشر مثقالا، واللؤلؤ الذي لم يوجد مثله، ومنه النصاب الزمرد الذي طوله أربع أصابع في عرض عقد كبير، ووجد فيه طبل كان بالقرب من موضع العاضد، وقد احتاطوا بالحفظ. فلما رأوه ظنوه عمل لأجل اللعب فيه فسخروا من العاضد وكسروه، ثم علموا أنه طبل قولنج فندموا على كسره لما قيل لهم ذلك.
وكان في القصر من الكتب النفيسة المعدومة المثل ما لا يعد فباع جميع ما فيه، ونقل أهل العاضد إلى موضع من القصر، ووكل بهم من يحفظهم، وأخرج جميع من فيه من أمة وعبد فباع البعض وأعتق البعض ووهب البعض، وخلا القصر من سكانه كأن لم يغن بالأمس، وكان العاضد لما مرض أرسل إلى صلاح الدين يستدعيه فظن ذلك خديعة فلم يمض إليه، فلما توفي علم صدقه فندم على تخلفه عنه، وكان يصفه كثيرا بالكرم ولين الجانب وغلبة الخير على طبعه.
ويقول بعض المؤرخين الصليبيين: إن صلاح الدين قتل العاضد بيده، إلا أن الجمهور على خلاف ذلك. على أننا لا يسعنا إلا لومه لتطرفه في احتقار الخليفة، وتجريده إياه من ذات يده ومن متاعه، وقد بالغ بذلك حتى إنه علم بجواد كريم كان يركبه الخليفة؛ لترويح النفس في حديقته فطلبه منه فلم يسع الخليفة إلا إعطاءه إياه والتوقف عن الرياضة التي لم يبق لديه من ثروة الخلفاء سواها.
وكان الخليفة العاضد شديد التشيع متغاليا في سب الصحابة، وإذا رأى سنيا استحل دمه، وترى في شكل
9-15
صورة نقود زجاجية ضربت في عهد الدولة الفاطمية أيام احتياجها للمال وقلة الذهب، وحالما تولى صلاح الدين ألغاها، وضرب نقوده المعروفة بالنقود الناصرية نسبة إليه.
شكل 9-15: نقود زجاجية مضروبة على عهد الدولة الفاطمية. (12) حضارة الدولة الفاطمية
انقضت هذه الدولة بموت العاضد الفاطمي والخطبة للمستضيء العباسي سنة 576 فيجدر بنا أن نأتي على ما كان من مبلغ حضارتها لولا ما نخافه من التطويل، وقد أفاض المقريزي في ذكره مفصلا، فنأتي على مثال من بذخهم وترفهم، وقد ذكر شيء من ذلك. (12-1) أدوات الترف
كان الفاطميون يناظرون العباسيين في كل شيء حتى في أسباب الحضارة، وكان التمدن الإسلامي قد نضج، وأخذت الدولة العباسية بالتقهقر ففاقوهم في كثير من أسباب البذخ والترف، ولا سيما من حيث الأثاث والرياش والثياب؛ فإن العباسيين رصعوا عصائب نسائهم وخفافهن بالجواهر، ولكن الفاطميين رصعوا بها آنية المطبخ، واتخذوا كوز الزير من البلور مرصعا بالجوهر، وكللوا المزيرة بحب اللؤلؤ النفيس، وتأنقوا في المصوغات حتى اتخذوا منها التماثيل المرصعة للزينة في مجالسهم. فإذا جلس الخليفة في إحدى المناظر للراحة أو تبديل الثياب وضعوا بين يديه الصواني الذهب عليها أشكال الصور الآدمية والوحشية من الفيلة والزرافات ونحوها، معمولة من الذهب والفضة والعنبر والمرسين المشدود والمظفور عليها، المكلل باللؤلؤ والياقوت والزبرجد، ومن الصور الوحشية ما يشبه الفيلة بينها عنبر معجون كخلقة الفيل، وناباه فضة، وعيناه جوهرتان كبيرتان في كل منهما مسمار ذهب مجرى سواده، وعلى الفيل سرير منجور من عود بمتكآت فضة، وذهب وعليه عدة من الرجال ركبان عليهم اللبوس تشبه الزرديات، وعلى رءوسهم الخوذ، وبأيديهم السيوف المجردة، والدرق وجميع ذلك فضة. ثم صور السباع منجورة من عود، وعينا السبع ياقوتتان حمراوان، وهو على فريسته، وأشكال من سائر الوحوش، وأصناف تشد من المرسين المكلل باللؤلؤ شبه الفاكهة.
وكان للفاطميين في القاهرة دور يختزنون بها أدوات الترف يسمونها خزائن؛ بعضها للفرش، والبعض الآخر للجوهر، وآخر للطيب، وآخر للبنود، وآخر للسلاح، وآخر للسروج أو الدرق أو الكسوات أو الأدم أو الشراب أو التوابل أو الخيم، وكان الخليفة يذهب إلى مجالس خاصة له في تلك الخزائن، والمجلس عبارة عن دكة عليها طراحة، ولها فراش يخدمها وينظفها؛ ليجلس الخليفة عليها إذا زار تلك الخزانة. (12-2) الحلي والمجوهرات عند الفاطميين
Unknown page