203

Tarikh Junun

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Genres

أو في عام 1978 مع الطبيب سيفادون الذي عقد مقارنة (كمية وكيفية) مع فترة 1914-1918،

53

وتارة أخرى تكون محملة بطابع الاتهام كما جاء في مجلة «عقل» عام 1952: «كان يتم التزام الصمت بصورة رائعة؛ بحيث يمكن الاحتفاظ خلف الجدران وفي أعماق الحدائق بما يزيد عن أربعين ألف مريض عقليا على وشك الموت من الجوع والبرد والدرن تحت الاحتلال الألماني [...] كان يجب أن يموت المجانين والمسنون أولا، كان هذا هو النظام.»

54

وفي العدد نفسه، كان هناك مقال آخر بقلم لويس لوجيان ولوسيان بونافيه، وقد تمادى أكثر من الآخر قائلا: «كان هناك تكدس ضخم في المصحات النفسية قبل الحرب، وإزاء هذا الأمر أوجدت الشرطة الفاشية «المعاونة» حلا جذريا لمرضى الاعتلال العقلي بدعم من حكومة فيشي. فمات ما يقرب من أربعين ألف مريض عقليا من جراء الجوع والبرد خلال الحرب.»

ولقد أصبحت هذه الأحداث تحت الاحتلال «القضية المحورية» في كتاب ماكس لافون الذي ظهر عام 1987 بالعنوان الصادم: «الإبادة الرقيقة: موت أربعين ألف مريض عقليا في المصحات النفسية بفرنسا تحت حكم فيشي».

55

بالنسبة إلى المؤلف، كان الأمر يقوم على «قياس مدى نسيان الإنسان للإنسانية، وإلى أي مدى قد تصل الحوارات والأفعال في مجتمع فقد الحس الأخلاقي وواجباته وحدوده.» ففرنسا - التي كانت تعيش في ذلك الوقت أجواء محاكمة كلاوس باربي - تحركت ولا سيما بعد أن أشارت الصحافة إلى: «جبن وعدم وعي الأطباء النفسيين [...] الذين وجدوا في الأمر موضوعا علميا رائعا لدراسته»، على حد وصف الطبيبة إسكوفييه لامبيوت في العاشر من يونيو 1987 في جريدة لوموند؛ حيث تتولى باستمرار مسئولية العمود الطبي. ومن جانبها، تشدد الجريدة الطبية «الممارس العام» في الرابع عشر من يوليو 1987، طابع كشف ما هو سري للكتاب الذي «أظهر في صورة مؤكدة ما كان قبلا مجرد إشاعات مكتومة في الأوساط المطلعة: إبادة آلاف المرضى.» ولقد وضع الطبيب النفسي الشهير لوسيان بونافيه (1912-2003) مقدمة هذا الكتاب. ويتحدث باعتباره «شاهدا مباشرا لعمليات الإبادة الأولى لمرضى الاعتلال العقلي.» كان حينها مديرا للمصحة النفسية بسانت آلبان (لوزير العليا)، وكان مقاوما ومناضلا شيوعيا. وكان أيضا - كما سنرى - من رواد «الطب النفسي الاجتماعي»، في العقود التي تلت الحرب. وعندما وجهت إدارة التحرير بجريدة «الممارس العام» ملحوظة أن لفظ «إبادة» قوي بعض الشيء، أجاب: «أعتقد أنه على العكس ملائم للغاية.» وبسؤاله: «لماذا هذا الصمت لمدة أربعين عاما؟» أجاب: «لم يكن هناك صمت، كانت هناك رقابة.»

ثار غضب واحتجاج الأطباء النفسيين، إلا أن الاتهام البشع الذي تم توجيهه لم يتوقف عن التصاعد. فقد ظهرت روايتان هامتان لدعم أطروحة الإبادة الرقيقة: «قطار الموتى» لبيير ديوران

56

Unknown page