189

Tarikh Junun

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Genres

في مطلع القرن العشرين، كان الطب العقلي لا يزال مزدهرا على يد مانيان في فرنسا وكرابلين في ألمانيا. وقبل اندلاع الحرب العالمية الأولى، تراجع الإيمان في العلم الإيجابي ليحل محله التشكك والارتياب. وشهدت موجة الكيانات التصنيفية الضخمة - مثل الانحطاط - تراجعا، وأصبحت تشخيصا سهلا جامعا تندرج تحته جميع الحالات المحرجة. رأينا إلى أي درجة تعايش المصطلحان «الطب العقلي» و«الطب النفسي» طويلا (فالطب العقلي يختص بالمشفى، بينما الطب النفسي بالنظريات). ولكن منذ عشرينيات القرن العشرين، بدأ الطب النفسي كمفهوم يفرض نفسه، بينما تلاشى الطب العقلي كمفهوم أو على الأقل كمصطلح. في المقابل، ظل استخدام لفظ «المجنون» مستخدما حتى عام 1925، على الرغم من تفضيل البعض، قبل ذلك التاريخ، استخدام كلمة «مريض عقلي». أما لفظ «مصحة المجانين»، فتخلى بصعوبة عن مكانه لصالح «المشفى النفسي» رسميا عام 1937، وإن ظل لفظ «مصحة الأمراض العقلية» مستخدما.

في عام 1906، تأسست مجلة «الدماغ»، والتي تهدف إلى «كسر العزلة التي فرضت مؤقتا على المرض العقلي.» وكان علم الأعصاب وعلم النفس - لئلا نقول الطب ببساطة - دعوة لأطباء الأمراض العقلية للخروج من مشفاهم. وعلى عكس فكرة الانحطاط - التي خلقت فجوة بين ما هو طبيعي وما هو مرضي - وجدت نظرية جديدة (واحدة أخرى) وهي نظرية التكوينات التي سعت على العكس إلى سد هذه الفجوة.

9

وأصبحت هناك هوية واحدة تجمع الآليات النفسية الطبيعية والمرضية، فلم يعد الاختلاف على المستوى النوعي وإنما على المستوى الكمي. في عام 1919، قدم إرنست دوبريه (1862-1921) تفسيرا لهذه التكوينات المرضية المشتقة من وظائف طبيعية مثل التخيل والانفعال، وهي «عمل الإصابة العقلية القوية وسببها». واستنتج عام 1919 أن: «الأمراض العقلية هي أمراض في الشخصية.» ومن جديد برزت تلك النظرية الجاذبة للكل - التي تقول بوجود ميول معينة تنقل بالوراثة - لإعادة إحياء لنظرية الانحطاط العقلي لكل من موريل ومانيان.

كان لأعمال إيميل دوركايم (1858-1917) مستقبل أكثر ثراء، وافتتح بها تيار علم الاجتماع. فخصوصية الوقائع الاجتماعية (طرق التصرف والتفكير والشعور الخارجة عن الفرد والتي تمتلك قدرة قهرية تفرض نفسها عليه) «للحياة النفسية الجماعية» إلى جانب مفهوم «التفاعل»، يمكن تطبيقهما أيضا في مجال الأمراض العقلية التي تعد حالة صراع مع المجتمع المحيط.

أما عن الطريقة الظواهرية في علاج المرض العقلي، فقد رأينا أنها كانت اقتراحا من كارل ياسبرز منذ عام 1913 (دراسة للحالات المعنوية للمرضى). كان يوجين مينكويسكي هو الذي أدخل هذا التيار أخيرا إلى فرنسا خلال فترة ما بين الحربين. وإلى جانب كتابه «الفصام» - الذي أعيد طبعه مرتين يفصلهما ربع قرن (1927 و1951) - نشر مينكويسكي عام 1933 «الزمن المعيش، دراسة ظواهرية ونفسية»، شدد فيه على شكل العلاقة وطريقة التعامل إزاء المريض. بطريقته الظواهرية، يضع مينكويسكي - تلميذ هوسريل وبرجسون - المعرفة في حالة توقف مؤقت في لحظة الالتقاء نفسها بكلام المريض، الذي اتخذ من الآن وضعا جديدا كشخص «يجري التعامل معه بنظرة كلية وفي ظل عمق تاريخه.»

10 «وربما للمرة الأولى في تاريخ الطب النفسي»، لا يشمل مصطلح الفصام «أعراض المريض فحسب، وإنما موقفنا تجاهه، متضمنا بالتالي الإشارة إلى السلوك الذي يجب أن نتبعه إزاءه بصفتنا أطباء نفسيين معالجين، أو معالجين نفسيين قبل كل شيء.»

11

استقبل تيار علم الأعصاب إضافة جديدة. في عام 1920، أوضح كونستانتين فون إيكونومو (1876-1931) - عالم الأعصاب النمساوي من أصول رومانية - بالتزامن مع جان رينيه كريشيه؛ الطبيعة المعدية للعدوى المخية المعروفة بالخمول التي اجتاحت أوروبا مع «الأنفلونزا الإسبانية». ويبرز نوعان من المرضى: مرضى الغيبوبة، ومن يعانون - على العكس - من حالة هياج وهذيان وتبدو عليهم اضطرابات السلوك . يموت الكثيرون. وبدراسة أمخاخ النوعين، عرض فون إيكونومو نتائجه في عام 1928، موضحا أن القسم الثاني يكون مصابا في الجزء الخلفي من تحت المهاد (الهيبوثالامس) نتيجة فيروس التهاب الدماغ الذي يدمر مراكز النعاس. ولمزيد من الدقة، لم يكن هذا الاكتشاف معززا لنموذج الشلل العام، بل فتح ثغرة جديدة في عقيدة التكوين الباطني للذهان.

التحليل النفسي والطب النفسي

Unknown page