Tarikh Junun
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
أنجرؤ بالفعل على الاقتراب من مجال الأدب، كما حدث مع الفن الخام عن طريق فكرة مجانين الأدب؟ ولكن ما المقصود بمجنون الأدب؟ يفضل المعالج أندريه بلافييه
6 - الذي أحصى عام 1982 ما يزيد عن ثلاثة آلاف منهم - أن يسميهم «شواذ أو غرباء». ويتحدث بعض أطباء الأمراض العقلية عن «المهووسين بالكتابة». ويدخل هؤلاء أيضا هذه المرة في نطاق التوافق الأدبي. ويعدد بلافييه: «يوجد مجانين لاهوتيون يؤسسون ديانات تتحدث عن نشأة الكون، ويوجد مجانين علماء - خاصة في الرياضيات - ويوجد مجانين بارعون في تاريخ اللغات واللغويات بشكل عام، ويوجد المجانين الأدباء بمعنى الكلمة والمجانين علماء الاجتماع والمصلحون ومنقذو البشرية، ومجانين السياسة.»
كان شارل نودييه
7
قد اهتم بدراسة ما يطلق عليه غرباء الأطوار في مجال الأدب، السابقون لعصرهم. وفي روايته «فتات الساحرة» (1832)، يجعل نودييه من جنون «غرباء الأطوار» وسيلة للجمع بين الحلم والواقع. ومن بعده، استلم الراية جوستاف برونيه - تحت الاسم المستعار فيلومنست جونيور
8
عام 1880. ويحدثنا الاثنان عن كثيرين، من بينهم أليكسيس بيربيجييه - المعروف ببيربيجييه من تير نوف دي تيم (أرض الزعتر الجديدة) - المصاب بهلاوس الاضطهاد. ولقد نشر هذا العلم من أعلام مجانين الأدب عام 1821 على نفقته الخاصة بما تبقى له من نقود «العفاريت: كل الشياطين ليسوا من العالم الآخر». كانت القصة مملة، ولكن ما جعل أطباء الأمراض العقلية في ذلك الوقت يشغفون بها، كانت العلاقة بين الهذيان المزمن وأفكار الاضطهاد التي تدور حول موضوع وحيد (كل ما يحدث من شرور في العالم إنما هو عمل الشياطين الأشرار الذين شرع بيربيجييه في مقاومتهم بضراوة). أما بينيل - والذي أرسل له بيربيجييه عام 1816 ووصف له علاج الحمامات - فقد انتهى الأمر بأن اعتبره بيربيجييه في مصاف معذبيه الذين ينوي التخلص منهم بواسطة الإبر، أو حبسهم في زجاجات مغلقة وعليها إشارة إلى من في داخلها. ونرى هنا أن الكفة تميل ناحية الجنون، ولكن بالنسبة إلى معظم مجانين الأدب، تميل عادة ناحية الأدب. فيتحدث بعضهم عن عدم وجود الجحيم، وآخرون عن «الأسباب الجبرية للجنس داخل النوع البشري». عام 1925، كتب - «ماركيز كامارازا» - شيئا عجيبا يسمى «بحث تاريخي نظري عملي فلسفي فقهي شعري رياضي أكروباتي سياحي فني ورائع عن العربة ذات العجلة الواحدة». وبالطبع يكون هؤلاء المؤلفون على اقتناع تام بما يكتبون. في جميع الأحوال، كان هواة الكتب يشترون هذه النسخ ولكن بأعداد قليلة. فمجنون الأدب الذي يحترم ذاته، هو مؤلف لم يقرأ له أحد.
ولقد كان ولع ريموند كونو - بعد انفصاله عن السرياليين - بدراسة مجانين الأدب، الذين جسدهم في رواية «أطفال ليمون»؛ شديدا (1938). ووفقا لكونو، مجنون الأدب هو «مؤلف له كتب منشورة، يختلف هذيانه (لا أقصد المعنى السيئ للكلمة) عن ذلك الذي ينشره المجتمع الذي يعيش فيه [...] كل من كان له أتباع فهو ليس مجنون أدب.» ويرفض كونو - كما سيرفض بلافييه أيضا لاحقا - إعطاء لقب مجنون أدب للمتصوفين «بكل أشكالهم». «في مطلع القرن الحادي والعشرين، في عالم يسود فيه السياسة السليمة والتفكير الموحد»، أتم إنشاء معهد طريف وغريب يسمى «المعهد الدولي لأبحاث واكتشافات مجانين الأدب وغرباء الأطوار والمختلفين والمعزولين، وغيرهم.» وينوي المعهد - الذي أنشأ مجلة «دراسات المعهد» وصدر العدد الأول منها في يونيو 2008 - استكمال ما بدأه السابقون. أي إن الاعتقاد في مجانين الأدب لا يزال حيا. ولكن فلننتبه: الجنون ليس ضمانا للعبقرية.
نهاية الطب العقلي وميلاد الطب النفسي المعاصر
على سبيل الدعابة، قد نشبه الطبيب النفسي بطبيب الأمراض العقلية الذي تساوره الشكوك. وبالفعل، نجد أن الكثير من الأطباء النفسيين ظلوا طويلا حابسين طبيب الأمراض العقلية داخلهم . في حديثه عن «أطباء الأمراض العقلية الآخرين»، يقول كبير الأطباء باريتون في رواية «رحلة إلى نهاية الليل» عن العصور الجديدة للطب النفسي: «لم يحاول أحد منا أن يصبح مجنونا كالعميل [...] لم تكن موجة الهذيان بحجة أنها أكثر انتشارا قد ظهرت بعد، يا لها من موجة فاضحة مثل كل شيء يأتينا من الخارج [...] وكأني أنقب داخلك! وأفتح عقلك! وأطغى عليك بالكامل! أليس كذلك؟! حولهم ركام مقزز من البقايا العضوية ومزيج من أعراض الهذيان المختلطة التي ترشح وتقطر من كل اتجاه. تمتلئ أيدينا بها ومن كل ما يتبقى في الذهن، ونكون كلنا لزجين وأفظاظا ومحتقرين ومقززين.»
Unknown page