Tarikh Junun
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genres
وتصنيف موريل.
32
وتشترك المجموعتان - إلى جانب شهرتهما العالمية - في استخدامهما لطريقة مصورة مبتكرة: فيكون الرسام هو المسئول عن رسم الأنماط المختلفة للمريض عقليا (وهو ما أسماه البريطانيون - الذين قاموا بالعمل نفسه - علم فراسة المرض العقلي). في عام 1818، جعل إسكيرول جورج فرانسوا ماري جابرييل يصمم مجموعة قيمة من بورتريهات لمرضى الاعتلال العقلي بمصحة شارنتون. «إن الفراسة (الاستدلال على الطبع من الشكل) ليست مجرد فضول تافه؛ فهي دراسة تساعد على تمييز طابع الأفكار والمشاعر التي تتسبب في هذيان هؤلاء المرضى. وكم كانت مثيرة النتائج التي توصلنا إليها من هذه الدراسة! لهذا الغرض، قمت بعمل بورتريهات لأكثر من مائتي مريض، ولعلي أنشر يوما ما ملاحظتي عن هذا الموضع المدهش.» ولقد وصل إلينا منها سبعون لوحة بقلم الرصاص.
33
ولكن نادرا ما يصاحب هذه الصور تعليق، وإن وجد يكون موجزا للغاية: «رجل عسكري، أجريت له عمليه ثقب للجمجمة، وأصبح مريضا بالاكتئاب»، «هوجو - شقيق الشاعر - مصاب بالبله ...» أما عن التعبيرات، فلا بد من المزيد من الإرادة لتصوير الجنون - وهنا تكمن مشكلة «الصورة الثابتة» سواء الرسوم أو الصور الفوتوغرافية. في عام 1838، نشر إسكيرول سلسلة أخرى مكونة من سبع وعشرين لوحة مرسومة بالحفر لأمبرواز تارديو (صاحب اللوحة الشهيرة نوريس المريض بمصحة بدلام، والتي ذكرناها من قبل). في هذه اللوحات، كانت أوضاع المرضى أكثر تعبيرا ومحاكاة للمواقف: مرضى مقيدون في الكراسي، مريضة مرتدية سترة المجانين ... في ذلك الوقت - عصر الطب النفسي الرومانسي - كانت الغلبة للحس الجمالي على الملاحظة الإكلينيكية. نحو عام 1820 - وبناء على طلب جورجيه - رسم جيريكو عشرة بورتريهات لمرضى الاعتلال العقلي، من بينها «ضبعة سالبيتريير أو المريضة بهوس فكرة الحسد»،
34
وهي من بين خمس لوحات وصلت إلينا.
سار موريل على النهج نفسه، إلا أن الرسم - خارج نطاق الطب النفسي للعصر الرومانسي - لم يكن مقنعا بالقدر الكافي. كان الأمر يقارب فهرسة الأنماط المختلفة للأمراض. فها هو جان باتيست تي، الذي قالوا عنه: «إنه مريض بالبله ولكن لا تزال لديه القدرة على تنظيم بعض الأفكار تنظيما مرتبا. كان لديه نوع من الهوس الديني، يصاحبه ميول جنسية. إنها الغرائز المدمرة. كانت لديه تعبيرات ولغة خاصة.» كانت التعليقات مصحوبة بصور مليئة بالملاحظات، ولكننا لا نرى أيا من هذا في الرسم. ولن نراه بسبب ظهور التصوير الفوتوغرافي الطبي؛ ربما سنرى ما أراد الأطباء إظهاره. كان أول بحث في فرنسا يدعو على استحياء إلى تصوير المرضى هو «بحث عن الأمراض العقلية» لداجونيه، وقد طبع ثلاث مرات في الفترة من 1862 وحتى 1914. فلم يكن ينقص هذا المريض - وقد ارتسم على وجهه تعبير ذو مغزى واضح - إلا ثلاثة نياشين على صدره لإظهار أنه مصاب بهلاوس العظمة. وأيضا في ثلاثينيات القرن العشرين، نجد هذا المريض «المسافر» الذي وقف خلف دراجته في الصورة التي نشرت في مقال «للجمعية الإكلينيكية للطب العقلي». في الواقع، كان الجنون باديا عليه، كانت دراجته مرتفعة بصورة لا تتناسب مع قامته الضئيلة، ومزينة ببوق سيارة وشرائط كثيرة بالعجلات. ونظرا لكونها غير مقنعة من الناحية الإكلينيكية (وكيف لها ذلك؟) استمرت موجة تصوير أنماط لمرضى الاعتلال العقلي بشكل متقطع في أوروبا كلها حتى قبل الحرب العالمية الثانية. ثم، شرع الانهيار السريع لليقين في إظهار ما يسمى الطابع شبه العلمي للأنماط الشكلية للأمراض العقلية (ابتداء من بعض الصور الفوتوغرافية حول «انحطاط السلالة»).
ما هي أشهر البحوث الفرنسية في نهاية القرن التاسع عشر، في ظل «المنافسة» الألمانية؟ نذكر في البداية طبيب الأمراض العقلية الباريسي بنجامين بال (1833-1893)، الذي نشر عام 1883 وعام 1890 طبعتين من «محاضرات حول الأمراض العقلية»، وترجع أهميتها إلى كونها خلاصة معارف الطب النفسي للعصر. كما نشر - أحد مديري العيادات - إيمانويل ريجي (1855-1918) «الدليل العملي للطب النفسي»، والذي ظل يعاد طبعه بشكل متواصل من عام 1885 وحتى عام 1923، وازداد حجمه تدريجيا من ستمائة صفحة حتى ألف ومائتي صفحة. وكان أول كتاب يولي اهتماما - في طبعته الخامسة - بالتحليل النفسي، والمعروف منذ ذلك الحين ب «مذهب فرويد». عام 1895، ظهرت «محاضرات إكلينيكية حول الأمراض العقلية» لجول سيجلا، وهو عمل شديد التركيز والتجانس يضع إطارا دلاليا حقيقيا (تصنيف فعلي للأعراض) للأمراض العقلية. ولقد ظل تأثيره ممتدا على المدرسة الفرنسية.
كان يتعين ذكر كافة أطباء الأمراض العقلية الفرنسيين الكبار، ولكننا سنذكر على وجه التحديد جيلبير باليه الذي جمع في «بحث حول المرض العقلي الباثولوجي» (1903) أسماء كبار أطباء الطب النفسي في ذلك العصر. قبل الحرب العالمية الأولى، نلاحظ أيضا صدور «الوثيقة الدولية لطب النفس الباثولوجي» الضخمة (3000 صفحة) تحت إشراف أوجست ماري (1865-1934)، جامعا فيها أشهر العلماء الفرنسيين والأجانب (في سابقة هي الأولى في فرنسا). وتوالى إصدار البحوث واتسع مداها في الفترة ما بين الحربين، ولكنها سرعان ما قلت تدريجيا بعد زعزعة اليقينيات الطبية النفسية.
Unknown page