142

Tarikh Junun

تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا

Genres

وتقوم فكرتها على إعطاء مساحة أكبر لتمدد المخ. وعلى العكس، يتعمد أنصار نظرية القدرة على تمييز الطبع والشخصية من شكل الجمجمة إبقاء المخ مقولبا، وبالتالي الجمجمة التي تغلفه. هذه المرة لا يتعلق الأمر بشفاء الجنون، وإنما منعه عن طريق تركيب «قالب مخي» على جمجمة الأطفال الصغار جدا بمهارة وذكاء. يمكن تعديل ضغط هذا القالب بعدة لمسات، ومن شأنه «تحسين شكل الدماغ وعمله العام».

73

وعلى الرغم من شكوك الجمعيات العلمية، بل وسخريتها، فإن رائد فكرة القالب المخي تنبأ بعصر بعيد سيجري فيه تطبيق جهازه عالميا، محققا خدمات جليلة للأخلاق وللدين، عن طريق «تقوية العضو الوحيد القادر على التعقل وتشغيل الأعضاء الفكرية والمعنوية.»

لم يتردد الأطباء في التصدي بشجاعة لمادة المخ نفسها. فقد ظهرت الجراحة النفسانية عندما تصور طبيب الأمراض العقلية النمساوي جوتليب بورخهارت (1836-1907) - انطلاقا من مبدأ أن الحياة النفسية تتكون من «عناصر تتجمع في المخ» - أنه يمكن معالجة بعض المرضى عقليا الميئوس من حالتهم عن طريق استئصال أجزاء من قشرة المخ. وفي عام 1888، على الرغم من أنه لم يكن جراحا، لم يتردد في إزالة حوالي خمسة جرامات من المادة الرمادية من الفص الأيمن لمخ مريضة تبلغ من العمر أربعة وخمسين عاما مصابة بهذيان وتهور. وخضعت المريضة نفسها لثلاثة تدخلات جراحية خلال عامين. ثم أجرى بالطريقة نفسها لخمسة مرضى آخرين عمليات مشابهة، قبل أن يعلن بورخهارت عن تدخلاته في مؤتمر برلين عام 1890، حيث توصل إلى هذه النتيجة المطمئنة: «إنه حتى وإن لم يتم استعادة الذكاء، فعلى الأقل لم تتدهور درجته.»

74

وشهد مجتمع الأطباء احتجاجات عديدة على هذه الطريقة. في فرنسا، يتساءل طبيب الأمراض العقلية رينيه سيميليني: «ما هي حدود هذا الجنون في الجراحة؟ ألأن المريض يضرب بقدميه، نستأصل من مخه المركز المحرك لأعضائه السفلى؟»

75

وبعد نصف قرن - في عام 1936 - ظهرت الجراحة النفسية الحديثة فعليا مع أول عملية جراحية في المخ تقوم على فصل الفص الأمامي من مراكز المخ المجاورة (المهاد البصري والمهاد الأعلى) بهدف تخليصه من التدفقات العاطفية والعصبية المريضة. وعلى مدار عشرين عاما، قدر النجاح لهذه العملية التي تعنى بالأخص بمرضى الذهان المزمن والمصابين بحالات القلق الحاد، ولا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث كان يتم إجراؤها على مرتكبي الجرائم الجنسية. إلا أن مسألة الأخلاق الطبية ظلت مطروحة بشدة، بالإضافة إلى كثرة حالات الانتكاس؛ مما أثار العديد من التحفظات. وبمجرد ظهور علم التداوي النفسي، توارت الجراحة النفسانية سريعا، فاختفت تماما من فرنسا، بينما ظلت مستخدمة في الولايات المتحدة الأمريكية.

وسرعان ما اتجهت هذه «التقنيات الحديثة» إلى الأعضاء الجنسية . ففي النصف الثاني من القرن العشرين، حدثت مواجهة بين مؤيدي ومعارضي إخصاء المرضى عقليا من الرجال واستئصال المبايض لدى النساء. وكان مؤيدو هذا الإجراء هم الأمريكيين والكنديين والإيطاليين والبلجيكيين، بينما رفضه الفرنسيون. وفي عام 1886، رفع شرام في ألمانيا «من أهمية استئصال المبايض - حتى السليمة - إلى درجة اعتبارها طريقة لعلاج الصرع الهستيري.»

76

Unknown page