Tarikh Iqtisadi Calami Muqaddima Qasira
التاريخ الاقتصادي العالمي: مقدمة قصيرة جدا
Genres
وقد أثبت الاستعمار مدى الدمار الذي يلحقه بعملية النمو الاقتصادي في أفريقيا أكثر من أي مكان آخر في العالم. أدى الاستعمار في القارة الأفريقية إلى ظهور مؤسسات في غاية السوء. كانت المستعمرات الأفريقية الأولى - على غرار نظيراتها السابقة عليها في أمريكا الشمالية - تدار من خلال «الحكم المباشر»؛ حيث كانت الحكومات الاستعمارية تطبق قانون الدولة الأم في جميع الأراضي التابعة على كل من المستوطنين والسكان الأصليين على حد سواء، وإن لم يتمتع السكان الأصليون بكامل حقوقهم في غالب الأحيان. بنهاية القرن التاسع عشر، حل «الحكم غير المباشر» محل الحكم المباشر، وكان الغرض من ذلك هو جعل الاحتلال الأجنبي أكثر قبولا للسكان الأصليين من خلال الاعتراف بالاختلافات العرقية جميعها، ومن خلال منح السلطة والثروة إلى القادة المتعاونين في مقابل دعم الأجانب. وفي ظل هذا النظام، كانت الدولة الاستعمارية تطبق قانون الدولة الأم على المستوطنين وفي المدن، أما حكم السكان الأصليين في الريف فقد تطور إلى نظام «الزعماء» الذين كانوا يطبقون «عادات قبائلهم»؛ وقد وضعت هذه المصطلحات بين أقواس للتأكيد على أنها مفاهيم قانونية تتصل بالدولة الاستعمارية، لا تتصل بالضرورة بواقع الحياة قبل الاستعمار. كان ينظر إلى جميع الكيانات السياسية الأفريقية - من الممالك مثل أشانتي، إلى أقل الجماعات تنظيما - ككيانات متكافئة عاداتها موحدة، على الرغم من اشتمال الكيانات السياسية المعقدة على شعوب مهزومة لها عاداتها المتباينة. نصب زعماء في أماكن مثل شمال غانا وشرق نيجيريا حيث لم يحكم هؤلاء من قبل قط. اتسم البناء السياسي بأنه مهلهل، وكان حق الشعب في ترك الأنظمة القمعية بمثابة لجام يحد من سلطات الحكام الطغاة، ولكن ألغي هذا الحق عندما كان الناس يقسمون إلى قبائل لا يمكنهم تركها. وقد أعيد تشكيل العادات بحيث تلائم الأغراض الاستعمارية؛ فألغيت العادات «البربرية» مثل العبودية (رغم استمرارها على أرض الواقع)، فيما أبقي على العادات المفيدة مثل حق زعيم القبيلة في طلب عمالة غير مدفوعة الأجر، وبهذه الطريقة أصبحت العمالة القسرية إحدى السمات العادية في الحياة الاستعمارية. صارت الملكية العامة عادة؛ ومن ثم كان باستطاعة الأفراد امتلاك أراض زراعية فقط من خلال الانتماء إلى إحدى القبائل، وفقط وفقا لرغبة الزعيم الذي كان يخضع له أفراد القبيلة. كانت العمليات التقليدية تستخدم حيثما كان ذلك ممكنا لإضفاء سمات النبالة على الزعماء، ولكنهم في نهاية المطاف يتم تعيينهم من قبل قوى الاحتلال، وكان زعماء القبائل يمنحون سلطات تزيد عن السلطات التي كان يتمتع بها الحكام قبل الاستعمار. صار الزعماء الجدد هم الممثلين الرئيسيين للإمبراطورية؛ حيث كانوا يفرضون الضرائب، ويجبرون أعضاء قبائلهم على العمل، فضلا عن استغلالهم لسلطاتهم لتكوين ثروات شخصية. لقد خلق الاستعمار نظاما من الديكتاتوريين الصغار ممن لديهم نزعة للجباية ليحكموا المناطق الريفية.
كانت السياسات المتبعة من قبل المستعمرات الأفريقية - على أقل تقدير - مدمرة للنمو الاقتصادي بالقدر نفسه الذي كانت عليه السياسات المتبعة في الهند وغيرها. تبنت الحكومات الاستعمارية عنصرا واحدا فقط من نموذج التنمية القياسي في القرن التاسع عشر؛ ألا وهو إدخال التحسينات على وسائل النقل. بحلول الحرب العالمية الأولى، كان 35 ألف كيلومتر من خطوط السكك الحديدية قد أنشئت في أفريقيا جنوب الصحراء، وكانت عمليات الإنشاء تمول من قبل الاستثمارات الخاصة (في ظل وجود ضمانات عامة عادة)، وكانت تهدف إلى تيسير تصدير المنتجات الأولية من خلال ربط المناطق الداخلية بالموانئ. لم تكن التعريفات الجمركية مستخدمة لدعم التصنيع، بل ظلت عند مستويات منخفضة لتوفير مصدر عائدات فقط، ومن ثم كانت الاقتصادات في المستعمرات متكاملة بصورة تامة مع السوق العالمية. ومع انخفاض تكلفة النقل عبر المحيطات والنقل البري، انخفضت أسعار المصنوعات الأوروبية في أفريقيا وزادت أسعار المنتجات الأولية. استجابت الاقتصادات في المستعمرات وفقا لهذه التحولات. ارتفع إنتاج وصادرات المنتجات مثل زيت النخيل والفول السوداني ارتفاعا هائلا، وعلى النقيض، انخفض إنتاج المنسوجات القطنية في كانو. كانت العولمة تعني أن اقتصاد أفريقيا صار متخصصا في إنتاج المنتجات الأولية.
لم تحاول الحكومات الاستعمارية نشر التعليم بين الأفارقة، بل تركت هذه المهمة إلى الإرساليات المسيحية، والمدارس الإسلامية، فضلا عن المبادرات المستقلة الأخرى. أحرز بعض التقدم، لا سيما بين جماعات مثل الكروبو الذين منحتهم أنشطتهم التجارية حافزا لتعلم القراءة والكتابة، والذين هيأ لهم نجاحهم التجاري دخلا أنفقوا منه على التعليم. ظلت معدلات معرفة القراءة والكتابة منخفضة للغاية حتى بعد الاستقلال. لم تبذل الحكومات الاستعمارية أيضا أي جهد في تأسيس بنوك محلية لتمويل الاستثمارات. دعمت بعض المستعمرات الاستثمارات الخارجية غير أن ذلك جاء على حساب الأفارقة؛ إذ حصل الأجانب على حق ملكية موارد القارة، وقد كانت هناك اختلافات هائلة بين المستعمرات في هذا الصدد.
تقف على أحد طرفي النقيض المستعمرات البريطانية في غرب أفريقيا، فكانت هذه المستعمرات موطن ميلاد الحكم غير المباشر، وكانت خير مثال عليه. كانت معظم البلد تقع تحت سيطرة زعماء القبائل، وكان امتلاك الأوروبيين للأراضي أمرا غير محبذ؛ فعلى سبيل المثال، منع ويليام ليفر من امتياز حق امتلاك أراض واسعة لإقامة مزارع لزيت النخيل في نيجيريا في عام 1907.
أما المستعمرات الألمانية والبلجيكية والفرنسية في غرب أفريقيا، فقد تبنت سياسات لامتلاك الأراضي واستخدام العمالة أقل مراعاة لمصالح السكان الأصليين، فكانت الأراضي تصادر من قبل الحكومات الاستعمارية وتمنح لمستثمرين أوروبيين لإقامة مزارع ومشروعات تعدين عليها، على سبيل المثال، وافقت بلجيكا على إقامة شركة يونيليفر لمزارع زيت نخيل في الكونجو. وكان الأفارقة يجندون للعمل الإجباري في المزارع وبناء خطوط السكك الحديدية.
وعلى الطرف الآخر من معادلة التناقض مع المستعمرات البريطانية في غرب أفريقيا تقف المستعمرات التي أقامها المستوطنون. تقدم جنوب أفريقا المثال الأفضل على ذلك، وإن كان تاريخ مصادرة الأراضي فيها يشبه مثيله في زيمبابوي ومرتفعات كينيا.
ضمت مستعمرة كيب تاون نحو 25 ألف مستوطن من الهولنديين والألمان والهوجونوتيين (أتباع الكنيسة البروتستانتية الإصلاحية في فرنسا) عندما استولت بريطانيا عليها في عام 1806. ارتفع عدد المستوطنين الأوربيين إلى 100 ألف مستوطن في عام 1850، ثم قفز إلى مليون نسمة في عام 1900 بعد اكتشاف الماس في عام 1866 والذهب في عام 1886. ارتفع عدد السكان الأفارقة من 1,5 مليون نسمة إلى 3,5 ملايين نسمة بين عامي 1800 و1900. وبعد عام 1835، تقدم البوير من مستعمرة كيب تاون إلى مقاطعة ترانسفال، واستولوا على مساحات شاسعة من الأراضي من الأفارقة. أقام البوير الدولة الحرة البرتقالية وجمهورية جنوب أفريقيا، اللتين اندمجتا في جنوب أفريقيا لاحقا بعد استيلاء بريطانيا عليهما في الحرب التي استمرت بين عامي 1899-1902. لم يكن البريطانيون أكثر احتراما لحقوق الأفارقة في تملك الأراضي من البوير. بلغ الاستحواذ على الأراضي ذروته من خلال قانون أراضي السكان الأصليين لعام 1913، الذي جرم شراء أو إيجار الأفارقة للأراضي خارج نطاق المحميات المخصصة لهم. بلغت نسبة هذه الأراضي 7٪ من إجمالي أراضي جنوب أفريقيا، على الرغم من أن الأفارقة كانوا يشكلون نسبة ثلثي عدد السكان الإجمالي.
وقعت حالات توزيع للأراضي مشابهة في مستعمرات المستوطنين الأخرى لكن بصورة أقل حدة. في زيمبابوي - على سبيل المثال - عندما بدأ تطبيق برنامج إصلاح نظام امتلاك الأراضي السريع في عام 2000، كان 4500 مزارع أبيض يمتلكون 11,2 مليون هكتار من أفضل الأراضي في البلاد، فيما كانت تعيش مليون عائلة أفريقية على مساحة 16,4 مليون هكتار من أسوأ الأراضي التي تخضع للملكية الجماعية في البلاد. في ظل هذه الظروف، يمثل قانون الملكية العقارية نظاما يضمن حماية الامتيازات بدلا من أن يكون نظاما يشجع الجميع على الحفاظ على مصالحهم من خلال إجراء معاملات متبادلة الفائدة.
كانت سياسة نزع ملكية الأراضي من السكان الأصليين تهدف إلى ضمان توفير العمالة، فضلا عن الاستيلاء على أراضيهم. علق الموقر جيه إي كازاليس في ستينيات القرن التاسع عشر قائلا إن الهدف من الاستيلاء على الأراضي تمثل في:
إجبار السكان الأصليين ... على الحياة على مساحة محدودة للغاية من الأراضي، حتى صار من المستحيل الاعتماد على المنتجات الزراعية والماشية في هذه الأراضي كمصدر للغذاء، ولإجبار السكان الأصليين على عرض خدماتهم على المزارعين كخدم في المنازل وكعمال.
Unknown page