Tarikh Culum Cinda Carab
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Genres
95
لقد رفض البيروني حركة الأرض، على الرغم من أخذه باستدارتها، وربما لا يمانع في كرويتها، لكنه رفض تماما كروية السماء، واعتبر الأرض في مركز الكون أو قريبة منه، تبعا لنظرية بطليموس التي عمل بها هو وكل معاصريه.
إلا أننا لا نملك أن نحاسب البيروني على كل صغيرة وكبيرة، أو نلومه من منظور عصرنا على مثل تلك الأغاليط، نظرا لطبيعة العصر الذي جاء فيه وحدوده المتاحة وقصوراته المعرفية من منظور عصرنا، وليس ثمة أية عبقرية مهما كانت فذة تستطيع الانفصال المطلق عن العصر الذي أنجبها والبيئة المعرفية التي نشأت فيها، حسبه ما أسداه من جهود دفعت مسيرة العلم في تلك الحدود وذلك العصر.
وأخيرا تجدر الإشارة إلى أن البيروني على الرغم من إقراره بتنوع مناهج المعرفة، بل وبالاختلاف بين المعرفة الإنسانية النامية وبين العقائد الدينية المطلقة، فإنه مع هذا انشغل في بعض أبحاثه بالمشكلة التي تشغل نفرا من رجال الدين ومن الإعلاميين الآن ... فقد كان البيروني حريصا جدا على التقريب بين علم الفلك بالذات وبين إشارات القرآن الكريم، في مقابل الحسن بن الهيثم الذي رفض تماما أي محاولات للتوفيق بين العلم والدين، موضحا أن المعرفة الإنسانية مختلفة ومعيارها مختلف هو الصحة والإفادة، على أن البيروني في سائر تقريباته بين الفلك والقرآن، لم يتجاوز أبدا حدود العقل والمنطق، وآية ذلك رفضه البات لشطحات الصوفية في هذا الصدد، قائلا ببساطة: «إن كلامهم غير مفهوم عندهم، فضلا عن عند غيرهم وخاصة كلام الحسين بن الحلاج.»
96
وذلك على الرغم من سعة علمه بالتصوف ودراساته المقارنة بين التصوف الإسلامي والتصوف في الهند.
لقد ظل العقل دائما في عالم البيروني مناطا يعتد به أيما اعتداد، ويحتكم إليه، فلا يتردد هنيهة - في تأريخاته ومباحثه - في رفض «كل ما يستفز - من استماعه - القلوب وتمجه الآذان ولا تقبله العقول.»
97
وكثيرا ما ينتهي إلى أن هذه الرواية - أيا كان قدر قائلها - «غير صحيحة؛ لأن الامتحان يشهد عليها.»
98
Unknown page