Tarikh Culum Cinda Carab
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Genres
45
ذكره أبو بكر محمد بن زكريا الرازي في كتابه «الخواص» وهو حجر بأرض الترك، من شأن تحريكه أن ينزل المطر الدافق، وينقل البيروني تفاصيل ذلك عن ابن زكريا الرازي، معقبا بقوله: «وليس ابن زكريا يختص بهذه الحكاية، إنما هي كالشيء الذي لا يختلف فيه.»
46
ولكن العقلانية العلمية التجريبية المتمكنة من عقل البيروني تجعله ما يذكر هذا إلا ليستنكره أشد الاستنكار، ويدحضه بسلاح المنهج العلمي: العقل والتجريب. فيقول: «إن أحد الأتراك حمل إليه شيئا من هذا الحجر، ظن أني أتبجج بها أو أقبلها ولا أناقش فيها، فقلت له: «جئني بها مطر في غير أوانه أو في أوقات مختلفة بإرادتي، وإن كان في أوانه حتى آخذه منك وأوصلك إلى ما تؤمله مني وأزيد.» ففعل ما حكيت من غمس الأحجار في الماء ورمى نقيعها إلى السماء مع همهمة وصياح، ولم ينفذ له من المطر ولا قطر سوى الماء المرمي لما نزل، وأعجب من ذلك أن الحديث به يستفيض في طباع الخاصة فضلا عن العامة، منطبع يلاحون فيه من غير تحقق.»
47
هكذا يندهش البيروني من قبول الخاصة قبل العامة لقضية يرفضها المنطق وتدحضها التجربة، ولا غرو أن يخرج من هذا بقصر تفسير الظاهرة الطبيعية على العوامل الطبيعية. «فقلت لهم: النظر في هذا (أي في أسباب سقوط الأمطار) من أوضاع الجبال ومهاب الرياح وممار السحاب من عند البحار.»
48
إنها الخطوط الأولية التي تمثل صلب المنهج العلمي: الرفض المبدئي لما يناقض العقل، البحث عن التحقق، والتفكير المنطقي ثم الاحتكام إلى التجربة لدحض الرأي الفاسد، وأخيرا تفسير الظاهرة الطبيعية فقط بالعوامل الطبيعية، لقد تلاقت هذه الخطوط في مجال أثير للخرافة.
سادسا: والمنهج التجريبي يتقدم
غني عن الذكر إذن أن البيروني جعل التجريب من عمد البحث العلمي، ومارسه متحريا الضبط عن طريق الآلات الدقيقة قدر المستطاع آنذاك، فلو لم يفعل لما أصبح عالما طبيعيا مذكورا، فاهتم بتحري المشاهدة والاستقراء والرصد والتتبع، ورأى «أن العلم اليقيني لا يحصل إلا من إحساسات يؤلف بينها العقل علي نمط منطقي.»
Unknown page