Tarikh Cilm Adab

Ruhi Khalidi d. 1331 AH
175

Tarikh Cilm Adab

تاريخ علم الأدب: عند الإفرنج والعرب وفكتور هوكو

Genres

كأنهم لقوم أنبياء

ولم يكن فيكتور هوكو يهوديا ولا نصرانيا، وتبرأ من أصحاب هذين الدينين، وقال: بأنهم اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، وأوصى بعدم دفنه على سنن واحد منهما وبعدم حضور أحد من رهبان النصارى ولا من أحبار اليهود في جنازته، كما أنه لم يكن يعرف حقيقة الدين الإسلامي، ولا أمعن نظره في آيات القرآن لما قدمنا ذكره من الأسباب وهو عدم توسع دائرة المعارف الإسلامية في عصره، والذي ذكره في شعره من القرآن هو بعض أمثال قليلة نقلها عن غيره بدون أن يبحث فيها بفكره، ومع ذلك ففيكتور هوكو موحد؛ اعترف في كثير من أشعاره باعتقاده بالله، وحسن رجائه باليوم الآخر، واهتدى للتوحيد بنظره في خلق السموات والأرض، واختلاف الليل والنهار كما اهتدى إبراهيم جد الأنبياء - عليه وعليهم السلام:

وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين * وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربي فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إني بريء مما تشركون * إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين .

وهكذا قال فيكتور هوكو لقومه: إني بريء مما تعبدون، فلم يكن مشركا بالله ولا كان منكرا جاحدا إنكار الشاعر فولتير وجحوده، بل ربما كان حنيفا، والحنيف هو الذي يؤمن بالله ولا يتخذ شكلا مخصوصا للعبادة، وكان منهم أناس في جزيرة العرب قبل الإسلام مثل ورقة بن نوفل وغيره. فإذا أمعنا النظر في كلام فيكتور هوكو نراه من الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم، ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ونراه أيضا كثير البغض في الجبابرة المستبدين، ويدعو الناس إلى عدم اتخاذ أرباب من دون الله، وقد ورد في القرآن الكريم في سورة آل عمران وهي السورة الثالثة والآية 60

قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون * يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون * ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون * ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين * إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين . انظر إلى بلاغة هذا الكلام وتأمل قوله، ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله تجد جميع الأدباء من قديم وحديث ومن عربي أو أعجمي عالة عليه في هذه البلاغة التي وصلت أعلى الدرجات، وهي المعبر عنها في صناعة الأدب بالإعجاز، وقد ورد لفيكتور هوكو كلام متشابه يدل على حيرته والحيرة مقام من مقامات العلم بالله، ولكنه لم يفتر عن القول: بأنه موجود موجود موجود، ولما ماتت بنته واشتد حزنه سب الله عدوا بغير علم ثم رجع واستغفر لذنبه وشبه نفسه بالصبي الذي غضب ورمى البحر بحصاة، فهو لم يضر البحر في شيء ولكن فعله دليل على سفاهته وحمقه، فمثل الله كمثل البحر ولله المثل الأعلى، قال الحكيم الفيلسوف أرنيست رينان عن فيكتور هوكو وعن فولتير: بأنهما سارا على قطبين متخالفين ولم يتلاقيا إلا على محبة العدل والإنسانية.

والباعث الثالث على شهرة فيكتور هوكو هو كثرة علمه وغزارة معارفه، وعدا معرفته بدقائق اللغة الفرنساوية، وبعلم القوافي والعروض والموسيقى وما يلزم للشعر كان حكيما فيلسوفا يضع كل شيء في موضعه، وكل معنى في قالبه ولم يغب عن علمه شيء من التاريخ والجغرافيا، وأسماء البلدان وله اطلاع على العلوم الرياضية وجميع المسائل الاجتماعية، وكليات القوانين البشرية والسياسية، وله اقتدار عجيب في التخيلات والتصورات والاختلافات، وإذا نظر في شيء تمكن من رؤيته بعين لم يتيسر لغيره من الشعراء الرؤية بها، فوقف على كنه الأشياء وحقيقتها، وعلى جميع ما يعرض لها من الصور والأشكال والألوان وبقية الخواص الظاهرة والباطنة، وإذا ذكر إسبانيا مثلا لم يترك فيها مدينة إلا وصفها بالوصف اللائق بها سواء كان وصفا جغرافيا أو طبيعيا أو تاريخيا بالنظر لمن اشتهر فيها، أو لما ينبت في أرضها أو لمرآها الطبيعي ومنظرها الخارجي، وذكر كذلك كثيرا من مدن فرنسا وإيطاليا، وقال في جبل نارها فيزوف:

نابولي مرساها معطر بالأزهار يقف فيه فصل الربيع ولا يمر

وجبل فيزوف الملتهب بالنار يغطيه بتاج متوقد

كأنه فارس من فرسان الحرب كثير الغيرة والحسد شهد عرسا

فحسد أهله على أفراحهم ورمى بقلنسوته الحمراء وسط أزهارهم.

Unknown page