[تكملة البحر الرائق للطوري]

[كتاب الإجارة]

بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الإجارة.

لما فرغ من بيان تمليك الأعيان بغير عوض وهو الهبة شرع في بيان تمليك المنافع بعوض وهو الإجارة وقدم الأول على الثاني؛ لأن الأعيان مقدمة على المنافع؛ ولأن الأولى فيها عدم العوض، والثانية فيها العوض والعدم مقدم على الوجود، ثم لعقد الإجارة مناسبة خاصة بفعل الصدقة من حيث إنهما يقعان لازمين فلذلك أورد

كتاب الإجارة

متصلا بفعل الصدقة، وقال صاحب العناية وإنما جمعها إشارة إلى أنها حقيقة وذات أفراد فإن لها نوعين: نوع يرد على الأعيان كاستئجار الدور والأراضي، ونوع يرد على العمل كاستئجار المحترفين للأعمال نحو الخياطة والقصارة اه.

وسيبين المؤلف أن المنفعة تارة تصير معلومة ببيان المدة، وتارة تصير معلومة بالتسمية وتارة تصير معلومة بالتعيين والإشارة، ولو قال المؤلف كتاب الإيجار لكان أولى؛ لأن الذي يعرف هو الإيجار الذي هو بيع المنافع لا الإجارة التي هي الأجرة قال - رحمه الله تعالى -.

(هي بيع منفعة معلومة بأجرة معلومة) فقوله بيع جنس يشمل بيع العين والمنفعة وهو وإن كان جنسا كما يكون مدخلا يكون مخرجا كما تقرر في المعقولات فخرج به العارية؛ لأنها تمليك المنافع والنكاح؛ لأنه تمليك البضع ليس بمنفعة وخرج بقوله منفعة بيع العين وقوله بأجرة معلومة تمام التعريف ولا يخفى أن بيع مصدر باع والمصدر هو المعنى القائم بالذات وجاز أن يراد به اسم المفعول وهو المبيع. وسواء أريد المصدر أو اسم المفعول لا يصلح ما ذكر تعريفا للإيجاب؛ لأن الإيجاب والقبول والارتباط غير المعنى المصدري واسم المفعول فهذا تعريف ببعض الخواص، ولو أراد التعريف بالحقيقة لقال هو عقد يرد على بيع إلى آخره، واحترز بذكر المعلوم عما إذا اشتمل العقد على بيع معلوم وأجرة معلومة وشيء مجهول بأن استأجر عبدا مائة معلومة بأجرة معلومة وطعامه وكسوته، وهذا لا يجوز للجهالة كذا في الخلاصة وإنما لا يصح البيع من غير أن يملك الرقبة، ولو ملك المنفعة

Page 2

قال في الذخيرة وقف على قوم معينين فأجرهم القيم الوقف جاز؛ لأنهم لا حق لهم في الرقبة وإنما حقهم في الغلة فصاروا في حق الرقبة كالأجانب إلا أنه يسقط حصة المستأجر من الأجرة؛ لأنه لو أخذ منه يسترد له وفي القنية لو أجر القيم نفسه للعمل في الوقف فعمل يستحق الأجرة وبه يفتى، ولو عمل من غير عقد يستحق الأجرة وعليه العمل والكلام في الإجارة في مواضع: الأول في معناها لغة قيل هي بيع المنافع قال العيني وفيه نظر قال قاضي زاده، قولهم الإجارة في اللغة بيع المنافع قال الشارح العيني فيه نظر؛ لأن الإجارة اسم للأجرة وهي ما أعطيت من كراء الأجير كما صرحوا به قال قاضي زاده والنظر المذكور وارد؛ لأن المذكور في كتب اللغة إنما هو الإجارة التي هي اسم الأجرة والذي هو بيع المنافع الإيجار لا الأجرة، قال العيني وتجوز أن تكون الإجارة مصدرا قال قاضي زاده ولم يسمع في اللغة أن الإجارة مصدر وفي المضمرات يقال: أجره إذا أعطاه أجرته والأجرة ما يستحق على عمل الخير ولهذا يدعى به يقال آجرك الله وعظم الله أجرك، وفي كتاب العيني أجره مملوكي وآجره إيجارا فهو مؤجر وفي الأساس أجرني داره فاستأجرتها وهو مؤجر ولا يقل مؤاجر فإنه خطأ وقبيح قال وليس آجر هذا فاعل، بل هو أفعل. اه. .

وأما دليلها من الكتاب فهو قوله تعالى حكاية عن شعيب: {على أن تأجرني ثماني حجج} [القصص: 27] . وشريعة من قبلنا شريعة لنا إذا قصها الله علينا من غير إنكار ومن السنة قوله - عليه الصلاة والسلام -: «أعطوا الأجير أجرته قبل أن يجف عرقه» ، ومن الإجماع فإن الأمة أجمعت على جوازها، وسبب المشروعية الحاجة؛ لأن كل إنسان لا يجد ما يشتري به العين فجوزت للضرورة، وأما ركنها فهو الإيجاب والقبول والارتباط بينهما، وأما شرط جوازها فثلاثة أشياء: أجر معلوم، وعين معلوم، وبدل معلوم، ومحاسنها دفع الحاجة بقليل المنفعة، وأما حكمها فوقوع الملك في البدلين ساعة فساعة، وأما ألفاظها فتنعقد بلفظين ماضيين أو يعبر بأحدهما عن الماضي والآخر عن المستقبل كقوله أجرتك وأعرتك منفعة داري سنة بكذا وتنعقد بالتعاطي كما في البيع وفي التتارخانية وتنعقد الإجارة بغير لفظ كما لو استأجر دارا سنة، فلما انقضت المدة قال ربها للمستأجر فرغها لي اليوم وإلا فعليك كل شهر بألف درهم فتجعل في قدر ما ينقل متاعه بأجرة المثل فإن سكن شهرا فهي بما قال المالك إلى آخر ما ذكر.

وصفتها أنها عقد لازم وفي العناية ويثبت في الإجارة خيار الشرط والرؤية والعيب كما في البيع اه.

وأفاد المؤلف أن عقد الإجارة ينعقد بإقامة العين مقام المنفعة ولهذا لو أضاف العقد إلى المنافع فلا تجوز بأن قال أجرتك منافع داري بكذا شهر وإنما يصح إضافته إلى العين، والمراد من المنفعة أن تكون مقصودة من العين فلو استأجر ثيابا ليبسطها ولا يجلس عليها ولا ينام أو دابة ليربطها في داره ويظن الناس أنها له أو ليجعلها جنيبة بين يديه أو آنية يضعها في بيته يتجمل بها ولا يستعملها فالإجارة في جميع ذلك فاسدة ولا أجرة له؛ لأن هذه المنفعة غير مقصودة. كذا في الخلاصة في الجنس الثالث من الدواب كما في البيع اه.

قال - رحمه الله - (وما صح ثمنا صح أجرة) لأن الأجرة ثمن المنفعة فتعتبر بثمن المبيع، ثم إن كانت الأجرة عينا جاز أن يكون كل عين بدلا عن المبيع ولا ينعكس حتى صح أجرة ما لا يصح ثمنا كالمنفعة فإنها لا تصح ثمنا وتصح أجرة إذا كانا مختلفي الجنس كما سيأتي وفي الجوهرة ولو كان عبد بين اثنين فأجر أحدهما نصيبه من شريكه على أن يخيط معه شهرا على أن يخدم الآخر في الشهر الثاني لم يجز من جهة أن النصيبين في العبد الواحد متفقان في الصفقة، ولو كان في العبدين جاز اه.

وإن كانت الأجرة دراهم أو دنانير لا بد من بيان القدر والصفة وأنه جيد أو رديء وإن كانت النقود مختلفة انصرفت إلى غالب نقد البلد وإن كانت الأجرة مكيلا أو موزونا يحتاج إلى بيان القدر والصفة ومكان الإيفاء هذا إذا كان له حمل ومؤنة عند الإمام وإلا فلا يحتاج إلى بيان مكان الإيفاء وإن كانت ثيابا أو عروضا فالشرط بيان القدر والأجل والصفة؛ لأنه لا يثبت في الذمة إلا بهذا، هذا إذا لم يكن مشارا إليه وفي الهداية وما لا يصلح ثمنا يصلح أجرة أيضا كالأعيان التي ليست من ذوات الأمثال كالحيوان والثياب مثلا فإنها إذا كانت معينة تصلح أجرة ولا تصلح ثمنا كما إذا استأجر دارا بثوب معين فإنه لا يصلح ثمنا لما تقرر في كتاب البيوع، إذ الأموال ثلاثة ثمن محض كالدراهم والدنانير، ومبيع محض كالأعيان

Page 3

التي ليست من ذوات الأمثال وما كان بينهما كالمكيل والموزون قال في العناية: وفيه نظر؛ لأن المقايضة بيع وليس فيها إلا العين من الجانبين فإذا لم تصلح ثمنا كان بيعا بلا ثمن وهو باطل وأجيب بأن المراد بالثمن ما ثبت في الذمة، وإذا كانت الأجرة فلسا فغلا أو رخص قبل القبض فالأجرة الفلس لا غير، وإن كسدت فعليه قيمة المنفعة كذا عن أبي يوسف، وكذا إذا كان الثمن مكيلا أو موزونا فانقطع عن أيدي الناس. اه.

وأما إذا كانت حيوانا لا يجوز إلا إذا كان معينا.

قال - رحمه الله - (والمنفعة تعلم ببيان المدة كالسكنى والزراعة فتصح على مدة معلومة) أي مدة كانت؛ لأن المدة إذا كانت معلومة كانت المنفعة معلومة فيجوز طالت المدة أو قصرت أو تأخرت بأن كانت مضافة أو تقدمت بأن كانت متصلة بوقت العقد؛ ولأن المنافع لا تصير معلومة إلا بضرب المدة، وقال بعضهم لا يجوز أن يضرب إلى مدة لا يعيش إليها عادة؛ لأن الغالب كالمتحقق في حق الأحكام فصار كالثابت بعد فلا تجوز وبه كان يفتي القاضي أبو عصمة وبعض العلماء فيجوز ضرب المدة التي لا يعيش إلى مثلها ومنهم الخصاف قال في الخانية: رجل قال لآخر أجرتك دابتي غدا بدرهم، ثم أجرها اليوم وغدا وبعد غد من غيره ثلاثة أيام فجاء الغد وأراد المستأجر الأول أن يفسخ الإجارة الثانية اختلف أصحابنا، في رواية يفسخ الإجارة الثانية وبه أخذ نصير وفي رواية ليس له أن يفسخ وبه أخذ الفقيه أبو جعفر والفقيه أبو الليث وشمس الأئمة الحلواني وعليه الفتوى فيستوفي الأول مدته والثاني ما بقي له، وفي الولوالجية أجر داره إجارة مضافة بأن قال أجرتك داري مدة شوال وهما في رمضان، ثم باعها من آخر فالبيع موقوف على إجارة المستأجر وفي الخلاصة أجرتك داري غدا فللمؤجر بيعها اليوم وتنتقض الإجارة.

قال - رحمه الله - (ولم تزد في الأوقاف على ثلاث سنين) يعني لا يزاد على هذه المدة

خوفا من دعوى المستأجر أنها ملكه

إذا تطاولت المدة وذكر بعضهم الحيلة في جواز الزيادة على ثلاث سنين أن يعقد عقودا كل عقد على سنة ويكتب في الكتاب أن فلان بن فلان استأجر وقف كذا كذا سنة في كذا كذا عقدا وذكر صدر الإسلام أن الحيلة فيه أن يرفع الأمر إلى الحاكم حتى يجيزه هذا إذا لم ينص الواقف على مدة فلو نص الواقف على مدة فهو على ما شرط قصرت المدة أو طالت؛ لأن شرط الواقف يراعى، كذا نقله الشارح وفي الخانية وإن كان الواقف شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة يجب مراعاة شرطه ولا يفتى بجواز هذه الإجارة أكثر من سنة، زاد في الذخيرة إلا إذا كانت إجارتها أكثر من سنة أنفع للفقراء فحينئذ تؤجر أكثر من سنة إن لم يشترط الواقف شيئا قال الفقيه أبو جعفر أجوزها في الثلاثة ولا أجوزها في أكثر من ذلك والصدر الشهيد حسام الدين كان يقول يفتى في الضياع بالجواز في ثلاث سنين إلا إذا كانت المصلحة في عدم الجواز وفي غير الضياع يفتى بعدم الجواز فيما زاد على سنة إلا إذا كانت المصلحة في الجواز، وهذا أمر يختلف باختلاف الزمان والمواضع.

والمراد بعدم الجواز عدم الصحة، وقيل تصح وتفسخ ذكره النسفي وإجارة الوقف ومال اليتيم لا يجوز إلا بأجر المثل فلو أجر بدون أجرة المثل يلزم المستأجر تمام الأجرة وعليه الفتوى كذا في قاضي خان، وإذا استأجر الوقف فرخصت الأجرة لا تفسخ الإجارة وإن زادت أجرة مثلها بعد مضي بعض المدة ذكر في فتاوى أهل سمرقند أنه لا يفسخ العقد، وذكر في شرح الطحاوي أنه يفسخ العقد ويحدد على ما زاد، ولو كانت الأرض بحال لا يمكن فسخها بأن كانت مزروعة لم تحصد، فمن وقت الزيادة تجب إلى انتهاء المدة هذا إذا زادت عند الكل قال في شرح الطحاوي أما في الأملاك لا يفسخ العقد برخص أجرة المثل ولا بزيادته باتفاق الروايات، وفي التتارخانية في باب من يجب الأجر الجاري سئل عمن آجر منزلا لرجل والمنزل وقف على الآخر وعلى أولاده فأنفق المستأجر في عمارة المنزل بأمر المؤجر قال إن كان للمؤجر ولاية على الوقف كان على المستأجر أجرة مثله ولا يرجع بما أنفق وإن لم يكن له ولاية على الوقف كان متطوعا ولا يرجع بشيء. اه.

وقد وقعت حادثة الفتوى في واقف شرط في كتاب وقفه أن لا يؤاجر وقفه من متجر ولا من ظالم ولا من حاكم فأجر الناظر الوقف منهم وعجلوا الأجرة قدر أجرة المثل هل يجوز هذا العقد؛ لأن الواقف إنما منع خوفا على الأجرة من الضياع وعدم حصول النفع للفقراء أو لا يجوز؟ فأجيب بالجواز أخذا من قول صاحب الوجيز إذا شرط الواقف مدة وإن كان نفع الفقراء في غيره يخالف

Page 4

شرط الواقف ويؤجر بخلافه.

قال - رحمه الله - (أو بالتسمية كالاستئجار على صبغ الثوب وخياطته) يعني المنفعة تعلم بالتسمية فيما ذكر من الصبغ والخياطة كما ذكر المؤلف، وكذلك استئجار الدابة للحمل والركوب؛ ولأنه إذا بين المصبوغ والصبغ، وقدر ما يصبغ به وجنسه وجنس الخياطة والمخيط ومن يركب على الدابة والقدر المحمول عليها والمسافة صارت المنفعة معلومة بلا شبهة فصح العقد ومن هذا النوع الاستئجار على العمل كالقصارة ونحوه وبه يعلم فساد إجارة دواب العلافين في ديارنا لعدم بيان الوقت والموضع.

قال - رحمه الله - (أو بالإشارة كالاستئجار على نقل هذا الطعام إلى كذا) يعني تكون المنفعة معلومة بالإشارة كما ذكر؛ لأنه إذا علم المنقول والمكان المنقول إليه صارت المنفعة معلومة، وهذا النوع قريب من النوع الأول.

قال - رحمه الله - (والأجرة لا تملك بالعقد، بل بالتعجيل أو بشرطه أو بالاستيفاء أو بالتمكن منه) يعني الأجرة لا تملك بنفس العقد، سواء كانت عينا أو دينا وإنما تملك بالتعجيل أو بشرطه أو باستيفاء المعقود عليه وهي المنفعة أو بالتمكن من الاستيفاء بتسليم العين المستأجرة في المدة اه. كلام الشارح.

والظاهر من إطلاق الماتن والشارح أن الأجرة تملك بالتمكن من الاستيفاء في المدة، سواء استعملها في المدة أو لا ويخالفه ما في الخلاصة حيث قال استأجر دابة ليركبها إلى مكان كذا مثلا فحبسها في بيته لم تجب الأجرة. اه.

والظاهر من إطلاق المؤلف - رحمه الله تعالى - أن الأجرة تجب باستيفاء المنفعة سواء كان ذلك في مدة الإجارة أو بعد مدة الإجارة وسواء استأجرها ليركبها في المصر أو خارجه، ويخالفه ما ذكره بعض العلماء حيث قال: ولو ذكر مدة ومسافة فركبها إلى ذلك المكان بعد مضي المدة لم تجب الأجرة. اه. وفي العتابية هذا إذا استأجرها ليركبها خارج المصر، ولو كان ليركبها في المصر وحبسها في بيته تجب الأجرة، قال في المحيط: والتمكن من الاستيفاء في غير المدة المضاف إليها لا يكفي لوجوب الأجرة، وكذا التمكن في غير المكان لا يكفي لوجوب الأجرة، فلو قال - رحمه الله تعالى - أو بالتمكن منه في المدة واستوفى لكان أولى، وقال الإمام الشافعي تملك بنفس العقد ويجب تسليمها عند تسليم العين المستأجرة؛ لأنها عقد معاوضة ولنا أنه عقد معاوضة فيقتضي المساواة بينهما وذلك بتقابل البدلين في الملك والتسليم وأحد البدلين وهو المنفعة لم يصر مملوكا بنفس العقد لاستحالة ثبوت الملك في المعدوم، ولو ملك الأجرة لملكها من غير بدل وهو ليس من قضية المعاوضة فتأخر الملك فيه ضرورة جواز العقد؛ لأن المنفعة عوض لا يبقى زمانين والمنفعة إنما جعلت موجودة في حق الإيجاب والقبول وما ثبت للضرورة يتقدر بقدرها، لا يقال لو لم يجعل المعدوم موجودا في حق العقد والأجرة لما جاز الإيجار بالدين؛ لأنا نقول إنما جاز الإيجار بالدين؛ لأن العقد لم ينعقد في حق المنفعة فلم يصر دينا في المدة وإنما ينعقد في حق الارتباط، وعند انعقاد العقد وهو زمان حدوثها تصير هي مقبوضة فلا يكون دينا بدين أصلا، ولو كان العقد ينعقد في حق المنفعة لما جازت الإجارة بالدين المؤجل أصلا كما لا يجوز السلم به، ولو جاز أن يجعل المعدوم كالمستوفى لجاز ذلك في السلم أيضا، وإذا عجلها أو اشترط تعجيلها فقد التزمه بنفسه وأبطل المساواة التي اقتضاها العقد.

قال في العناية: واعترض بأن شرط التعجيل فاسد؛ لأنه يخالف مقتضى العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين وله مطالب فيفسد العقد.

والجواب أن كونه مخالفا إما أن يكون من حيث كونه إجارة أو من حيث كونه معاوضة، والأول مسلم وليس شرط التعجيل باعتباره، والثاني ممنوع فإن تعجيل البدل واشتراطه لا يخالف من حيث المعاوضة، وفي المحيط وحينئذ فللمؤجر حبس المنافع حتى يستوفي الأجرة ويطالبه بها ويحبسه وحقه الفسخ أن الحاكم يعجل اه.

ولو أجر إجارة مضافة واشترط تعجيل الأجرة حيث يكون الشرط باطلا ولا يلزم للحال شيء؛ لأن امتناع وجوب الأجرة ليس بمقتضى العقد، بل بالتصريح بالإضافة إلى وقت في المستقبل، والمضاف إلى وقت لا يكون موجودا قبل ذلك الوقت فلا يتغير هذا المعنى بالشرط وفيما نحن فيه إنما لا يجب لاقتضاء العقد المساواة، وقد بطل بالتصريح لا يقال يصح الإبراء عن الأجرة بعد العقد، ولو لم يملكها لما صح، وكذا يصح الارتهان والكفالة بها، وكذا لو تزوج امرأة بسكنى داره سنة وسلم ليس لها أن تمنع نفسها، ولو لم تملك المنفعة لمنعت نفسها؛ لأنا نقول لا يصح الإبراء عن الثاني لعدم وجوبه كالمضاف بخلاف الدين المؤجل؛ لأنه ثابت في

Page 5

الذمة فجاز الإبراء عنه والجواب على قول محمد أنه وجد سببه فجاز الإبراء عنه كالإبراء عن القصاص بعد الجرح والرهن والكفالة للوثيقة فلا يشترط فيه حقيقة الوجوب، ألا ترى أنهما جائزان في البيع المشروط فيه الخيار وبالدين الموعود وجازت الكفالة بالدرك وإنما لم يكن للمرأة أن تحبس نفسها بعد تسليم الدار إليها؛ لأنه أوفى ما سمى لها برضاها وفي المحيط ولو وهب المؤجر أجرة رمضان هل يجوز؟ قال محمد إن استأجره سنة لا يجوز وإن استأجره مشاهرة يجوز إذا دخل رمضان ولا يجوز قبله، وعن أبي يوسف لا يجوز إلا بعد مضي المدة، ولو مضى من السنة نصفها، ثم أبرأه عن الجميع أو وهبها منه فإنه يبرأ عن الكل في قول محمد، وعند أبي يوسف برئ عن النصف ولا يبرأ عن النصف اه.

وعبر المؤلف بقوله لا تملك؛ لأن لفظ محمد في الجامع الأجرة لا تملك بنفس العقد، قال صاحب النهاية: الأجرة لا تجب بالعقد معناه لا يجب تسليمها وأداؤها بمجرد العقد وليس بواضح؛ لأن نفي وجوب التسليم لا يستلزم نفي الملك كالمبيع فإنه يملكه المشتري بمجرد العقد ولا يجب تسليمه ما لم يقبض الثمن، والصواب أن يقال معناه لا تملك؛ لأن محمدا ذكر في الجامع الصغير أن الأجرة لا تملك وما لا يملك لا يجب إيفاؤه، فإن قلت فإذا لم يستلزم نفي الوجوب نفي الملك كان أعم منه، وذكر العام وإرادة الخاص ليس بمجاز شائع لعدم دلالة الأعم على الأخص أصلا، وقال صاحب الهداية: الأجرة لا تجب بالعقد قال تاج الشريعة أي وجوب الأداء أما نفس الوجوب فيثبت بنفس العقد، وقال صاحب الكفالة المراد نفس الوجوب لا وجوب الأداء وبيان ذلك إجمالا وتفصيلا أما إجمالا؛ فلأن الأجرة لو كانت عبدا فأعتقه المؤجر قبل وجود أحد المعاني الثلاثة لا يعتق فلو كان نفس الوجوب ثابتا لصح الإعتاق كما في البيع. اه.

وإذا لم يتملك بنفس العقد ليس له أن يطالبه بالأجرة وفي المحيط لو طالبه بالأجرة عينا وقبض جاز لتضمينه تعجيل الأجرة، وقال أيضا وإذا لم يوجد أحد هذه الأمور يأخذ الأجرة يوما فيوما في العقار وفي المسافات كل مرحلة وفي المنتقى رجل استأجر دابة بالكوفة إلى الري بدراهم أي النقدين يجب على المستأجر قال نقد الكوفة؛ لأنه مكان العقد فينصرف مطلق الدراهم إلى المتعارف فيها، وفي العتابية وإذا عجل الأجرة إلى ربها لا يملك الاسترداد، ولو كانت الأجرة عينا فأعارها، ثم أودعها إلى رب الدار فهو كالتعجيل. اه.

وفي شرح الطحاوي الأجرة لا تخلو إما أن تكون معجلة أو مؤجلة أو منجمة أو مسكوتا عنها فإن كانت معجلة فإن له أن يتملكها وله أن يطالب بها وإن كانت مؤجلة، فليس له أن يطالب إلا بعد الأجل وإن كانت منجمة فله أن يطالب عند كل نجم وإن كانت مسكوتا عنها تقدم بيان ذلك في العقار وفي المسافة إذا امتنع من الحمل فيما بقي يجبر عليه اه.

بالمعنى، وفي النسفية استأجر حانوتا مدة معلومة بأجرة معلومة وسكن فخرب الحانوت في بعض المدة وتعطل وكان يمكنه الانتقال فلم يفعل وسكن المدة نلزمه جميع الأجرة، ولو استأجره ليحمل هذا إلى موضع كذا فحمل نصف الطريق وأعاده إلى مكانه الأول فلا أجر له استأجر دابة إلى مكة فلم يركبها ومضى راجلا إن كان بغير عذر في الدابة فعليه الأجرة وإن كان لعذر في الدابة لا أجر عليه طالبه بالأجرة بعد المدة فقال قصرت في العمل فلك بعض الأجرة، وقال لم أقصر فله الأجرة كاملة استأجره ليحمل له العصير فحمله فإذا هو خمر قال أبو يوسف: لا أجر له، وقال محمد إن علم أنه خمر فلا أجر له وإن لم يعلم فله الأجر، وفي الذخيرة من الفصل السابع والعشرين في الاختلاف لو اختلف المستأجر والآجر بعد شهر والمفتاح مع المستأجر، وقال لم أقدر على فتحه، وقال المؤجر، بل قدرت على فتحه وسكنت ولا بينة لهما يحكم الحال، وإن أقاما بينة فالبينة بينة رب المنزل. اه.

وفي القنية تسليم المفتاح في المصر مع التخلية قبض وفي السواد ليس بقبض وفي فتاوى الولوالجي ولو استأجر دارا على عبد بعينه، ثم وهب العبد من المستأجر قبل القبض، وقال المستأجر قبلت كان ذلك إقالة، ومراد المصنف الإجارة المنجزة؛ لأن المضافة لا تملك الأجرة فيها بشرط التعجيل وقوله أو بالاستيفاء أو بالتمكن منه يعني يجب بالاستيفاء للمنفعة أو بالتمكن وإن لم يستوف، وفي الهداية وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجرة وإن لم يسكن قال في النهاية: وهذه مقيدة بقيود، أحدها: التمكن فإذا لم يتمكن بأن منعه المالك أو الأجنبي أو سلم

Page 6